موحى راعي غنم يقطن بدوار ايت موسى ويشو بالجماعة الترابية تلمي اقليم تنغير، لقد أخطأ من رأى في سلوك موحى أولمكي إشهارا للسياحة بالمغرب..
أولا إسم موحى عند الأمازيغ ليس فيه أدني خلفية قدحية أو تصغير من شأنه التنقيص من شخصية حامله، أو السخرية من المناداة عليه باسم منقوص من جهة المرجعية اللغوية العربية… وحتى لا ننجرف أكثر مع اشتقاقات وأصول الأسماء العربية الممزغة، أكتفي بالقول التالي: أن الأمازيغ المسلمون حاولوا دوما تحوير إسم النبي العربي “ص” عندما يريدون وضع أسماء لأبنائهم، وذلك باعتبار المكانة الكبيرة التي يحظى بها النبي في قلوبهم، حيث يحيطون شخصه بقدسية خاصة، ويوقرون سيرته مع تعلقهم بذكره في كل أحوالهم وترحالهم على غرار باقي مسلمي العالم، لكن مع تميز دقيق، يتجلى في أنهم لا يأخذونه اسمه كلية، بل يختارون منه جزءا ويتخلون عن الباقي، تواضعا منهم حتى لا يتطاولوا على تسمية أنفسهم بلإسمه الكامل، ولما تسألهم لماذا يشتقون من إسم النبي محمد”ص” تلوينات متعددة مثل: حماد، موحى، محماد، محمي، حمو، محميجان، محتي، حا، وغيرها من الاشتقاقات التي أبهرت الكثير من الباحثين اللسانيين، يردون على ذلك أنه لا ينبغي أن يكون إلا محمد واحد في الكون، وللناس اختيار أسماء من إسمه لكنه دون بلوغ كمال الإسم مبنى ومعنى…
أتينا بهذا الاستهلال قصد رفع الحرج عن إسم موحى وجعله إسما عاديا ومقبولا مع ضرورة الاحتفاظ به لأصحابه، والحرص على المناداة عليهم به بدل تغييره بإسم محمد، وكأن موحى مجرد لقب يسري من الجماعة إلى الفرد، إنه إسم بخلفيات عقدية عميقة وجب فهمها وبيان رهاناتها الأخلاقية التي تشكل مظهرا من مظاهر نبل وسمو الروح الأمازيغية في تفاعلها مع معتقدها …
هذا التواضع في التسمية بإسم النبي “ص” هو المدخل لفهم قيم التواضع والكرم والشهامة في سيرة الأمازيغ على مر العصور… حيث أن هذه القيمة الاجتماعية والأخلاقية سابقة على الإسلام، لأنها متجذرة في قلوبهم منذ آلاف السنين، كما تعمل التنشئة الاجتماعية والعيش الجماعي على ترسيخها بشكل سلس للأبناء والأحفاد، يتعلق الأمر بتربية شفاهية غير مباشرة من حيث استعمال القول الصريح أساسها الثابت هو احترام وتوقير وتقديس الكبار والنساء والأطفال والأبطال وكل الكائنات التي تؤسس رموزا مؤسسة لثقافتهم الأخلاقية وتصرفاتهم إزاء بعضهم بعضا وإزاء الغرباء والأجانب…
لكن لا ينبغي اعتبار كل من يحمل اسم محمد كاملا هو بالضرورة خارج قيم التواضع والتوقير لشخص النبي “ص”، الأمر يتعلق هنا فقط بتحليل قيمة التواضع لدى أمازيغ شمال إفريقيا، وخصوصا الذين لا زالوا يقطنون بالجبال، ويقيمون بشكل مباشر في حضن الطبيعة رفقة بهائمهم، وخيامهم مع تدبير معيشهم طبقا لقيم وأعراف تليدة تنهض بتنظيم تنقلهم وكل أشغالهم و أنشطتهم في علاقتها بالماء والأرض والكلأ والكوارث والأفراح وتوزيع الخيرات إلى غير ذلك من الأعراف التي تشكل منبعا مهما للتشريع وسن القوانين….أي تلك الجماعة المنسجمة ثقافيا، والمتلاحمة عرفيا، والمتشبثة بلسانها الأم، والقائمة في مجال جغرافي بعيد عن مؤثرات الحياة العصرية وما تفرضه من نماذج سلوكية لها علاقة بمرجعيات تيارات اقتصادية وسياسية إيديولوجية مغايرة، بل ومصادمة لهذا الروح الامازيغية المتأصلة سلوكا وفكرا ولغة منذ فجر التاريخ…
إذن قيمة التواضع، ليس فيها غرابة، حينما تكون فعلا متأصلا، وقناعة داخلية تكتسب داخل الجماعة، وهي القيمة التي احتضنت ميلاد وتبلور قيمة الكرم والترحيب بالآخر سواء كان من الجماعة أو غريب عنها لغة وسلوكا وملة، وهذا أمر مألوف في سلوك هؤلاء حيث أًصبح معيارا تقاس به قيمة الشخص وأصالته وصفاء معدنه وعمق ارتباطه بجماعته… أي تحول هذه القيمة إلى أداء اجتماعي للتأكيد على الانتماء إلى هوية أمازيغية لا غبار عليها، وقد اختار لها أمازيغ الأطلس اسم “تاسا”، أي “الكبد” ككناية عن عاطفة الرحمة والكرم والعطاء، لكون القلب هو موطن الحب، والكبد هو مقر العاطفة الإنسانية الجياشة، حيث أن كل من أخل بمتطلبات هذا العقد” نداء تاسا” يتعرض لتقريع مباشر بالقول التالي:” اور تلي ديك تسا إمازيغن” بمعنى “أنك خال من عاطفة الأمازيغ”، وهو ما يعني أنك لست أمازيغيا من حيث الانتماء الروحي حتى ولو تحدثت بالأمازيغية، وارتديت أزياءها، واختلطت بأهلها في معيشهم و أسواقهم، فحالما يكتشفون أنك شرس الطباع، وتكره الناس لأنهم ليسوا مثلك، تحت أي مبرر كان، فهذا كاف لأن ينزعوا عنك رداء الانتماء إلى هويتهم…
بالعودة إلى سلوك موحى اولمكي، نجده قد جسد هذا النموذج التربوي الأمازيغي في سلوك بسيط، أي أنه انضبط لمقتضيات العقد ” تاسا إمازيغن” حينما سلم خبز والده إلى غريبة عنه، إلى فتاة تتجول في مجاله، وتريد التعرف عليه، ولهذا فهي في اعتقاده الباطني موضوعا للمحبة والتعاطف الاحتضان، هكذا سيكون أول ما سيبادر به لتكريس هذا العقد هو أن يعطيها أغلى ما عنده آنئذ، أي غداء والده، ومن هنا كان موحى في انسجام تام وتجاوب كلي مع نفسه ومتطلبات ثقافته الأصلية…
لكن حينما نحول موحي أولمكي إلى داعية للسياحة بالمغرب فإننا ننسف كل هذه الأشياء التي أشرت إليها أعلاه، ونجعل منه وسيطا ساذجا في خدمة الصناعة الفرجوية الفولكلورية المعروفة باستغلالها لكل التراث المغربي بكل تلاوينه في زمن ما من أجل استقطاب سياح يبحثون عن كل ما هو غريب وعجيب في ثقافات المستعمرات السابقة…
كلما نزعنا الطابع التلقائي عن سلوك شخص ما نكون بصدد استعماله لخدمه أهداف أخرى بعيدة عنه وغريبة عن طبيعته، وهنا سنستعين بالنظرية الأخلاقية الكانطية، أن كل فعل يتوخى من ورائه هدف يكف عن أن يكون فعلا أخلاقيا… ما قام به موحى أولمكي هو استجابة فورية لمبدأ أخلاقي تمليه عليه ثقافته المغربية الامازيغية في صفائها الجبلي وصدقها الروحي..
*نقلا عن انفاس بريس