الرئيسيةالجامعةالمدرسة العليا للأساتذة.. مختبر بمواصفات فريدة للتواصل وتحليل الخطاب

المدرسة العليا للأساتذة.. مختبر بمواصفات فريدة للتواصل وتحليل الخطاب

*يازبريس

على يمين المعلمة التاريخية، قوس مدينة العرفان، الذي استعملت في حقه المعاول منذ ما يزيد عن العشر سنوات، لفسح المجال أمام سكة “ترامواي” الرباط ليمر هذا الأخير بسلام، هناك توجد المدرسة العليا للأساتذة، إنها المؤسسة التي تخرج منها آلاف الأطر التربوية، الذين أوصى بهم الشاعر خيرا، ودعا إلى الوقوف لهم اجلالا وتقديرا لأدوارهم الطلائعية، ولما يسدونه في كل وقت وحين بالمدرجات والأقسام، وما يقومون به من مهام وخدمات في سبيل بناء الشخصيات والهويات، وكل ما يرتبط بمقومات المواطنة. فالحقيقة التي لا يسمح أبد بإخفائها ولا بالتحايل لتشويهها هي أن: “نساء ورجال التعليم مفاخر الأمم والشعوب في كل الأزمنة والحقب، منذ ما قبل الميلاد، وفي المجتمع الأثيني، وما بعده، وفي التاريخ القديم والوسيط أيضا، وخلال عصور الأنوار والنهضة وفي لحظات الجمود أيضا”. نساء ورجال التعليم هم من يزرع الثقة والآمال في الأوساط الاجتماعية الغابرة والمقبلة.

  • هؤلاء هم خبراء الخطاب والتواصل..!

“ليناس العرفان”، هو الاسم الذي يطلق عادة على هذه المؤسسة، لتحديد موقعها الجغرافي ولضبط وضعها، ولتمييزها عن المدارس الأخرى المنتمية لنفس النوع، الموجودة بالعاصمة الرباط، من قبيل “ليناس التقدم”، علما أن المؤسستين يخضعان لتدبير إداري واحد، الذي يعود في الأصل للإدارة العامة لجامعة محمد الخامس.

حين يذكر اسم هذه المعلمة التربوية، فلا يجب أن يقتصر تفكيرنا على أفواج الخريجين، الذين حصلوا على شواهد من مختلف التخصصات، وعينوا وانتشروا في أرجاء المملكة لمواصلة رسالتهم، وإفادة الأجيال الصاعدة بما راكموه من مدارك ومعارف، بل لا بد من معرفة من هم الذين من وراء الدينامية الثقافية التي تميز هذه المؤسسة، ومن هم الذين يهندسون للخطط الفكرية ويرسمون الاستراتيجيات العلمية متوسطة أو بعيدة المدى، التي توجه أداء طلبة المؤسسة على اختلاف مستوياتهم ومرجعياتهم.

هؤلاء الخبراء، هم أساتذة باحثون من العيار الثقيل، توافقوا على خيط ناظم لمحاضراتهم العالمة، ووجدوا ضالتهم في مقاربات متنوعة تهم قضية “تحليل الخطاب والتواصل”، باعتبارها قضية منهجية ونظرية حديثة العهد لجدة أدواتها أساليبها، ولأن المقاربات التي يقترحها كل خبير من خبراء تحليل الخطاب والتواصل في فصول هذه المؤسسة، الواحدة منها تكمل الأخرى رغم اختلاف الآليات والمناهج.

الأستاذ أحمد أبوعنان الخبير في مجال التواصل، يشد الطلبة شدا بطريقة إلقائه، له من الإمكانيات المعرفية ما يجعله يطوف ويجول بين المجالات الثقافية والتواصلية بأريحية لا تشوبها شائبة، يخرج من الفرنسية ليدخل إلى العربية، ومنهما إلى الإنجليزية. يحلل مفهوم “الأنا” بأنواعها، ويفسر كيف تنتقل هذه “الأنا” من الأب إلى الراشد، ومنهما إلى الطفل. أبو عنان أستاذ بارع في إعداد المتلقي نفسيا، يفصل بدقة متناهية في قصدية الإفهام، وقصدية التبليغ والادعاء، وخصائص الذات المتكلمة والمخاطبة على حد سواء. ليخلص في آخر المطاف أن الفعل التواصلي حجاجي وإقناعي.

مقولة “الوقت من ذهب” لا تصمد أمام ما يقترحه هذ أبو عنان من معطيات، لإن هذه المعطيات في النهاية هي التي تصبح من ذهب. فالدقائق والساعات لا قيمة لها حين تتمعن وتتابع دروس هذا الأستاذ في التواصل وتحليل الخطاب.

  • المنهج والتجسير والسلاسة سمات الخبراء:

الأستاذ محمد الشيكر قامة كبيرة، ليس داخل هذه المؤسسة أو في المغرب فقط، بل في القارات الثلاث، إفريقيا وأوروبا وآسيا، إنه الخبير الذي بصم في العديد من المحافل والتظاهرات الثقافية والفكرية داخل المغرب وخارج.

إنه الجامعي الذي ينطبق عليه ما قاله هو نفسه، إنه المفكر الذي يتصرف برشاقة في مادته الثقافية، فيجعلها أكثر إيحاء واكتنازا ويصيرها أكثر تنصتا على وجيب المجتمع وهسيس الأشياء، كما أنه يتحكم بلغته، التي لا تقطر ولا تمز، في مرجعياته المعرفية وسجلاته.

الأستاذ عبد القادر باقشى من خبراء اللغة المغاربة الذين لا يشق لهم غبار، يبهر الطلبة والمستمعين بدقة وجزالة معارفه. وفي الوقت الذي يحلل فيه العلاقة بين اللفظ والمعنى عند القدامى او المحدثين، فإن روح عبد القاهر الجرجاني صاحب “أسرار البلاغة”، تحيا  لترفرف فوق سماء المدرسة العليا للأساتذة.

الخبرة التي اكتسبها الأستاذ باقشى تسعفه تقريب وتحبيب الدرس البلاغي للطلبة، ميزته سلاسة الانتقال من فقيه لغوي لأخر، لا يجهد نفسه في إيجاد المنافذ والمداخل من حقل بلاغي لأخر، إنه الخبير الذي يقوى على التجسير بين كل تلك الحقول، يتحول بمهارة قل نظيرها من مجال الجاحظ مثلا إلى مجال الجرجاني ومنهما إلى السكاكي، ويؤشر على كل عالم من هؤلاء العلماء بتواريخ الميلاد والوفاة وله حكمة في ذلك.

أما الأستاذ إسماعيل الموساوي فعنده تجتمع المدارك. من خلال درس هذا الخبير تتكشف قضية من الأهمية بما كان، كتب عنها المفكرون والفلاسفة، إنها العلاقة بين المنهج والرؤية باعتبارها الإطار أو الأرضية الصلبة التي لا مفر لأي مقاربة أو تحليل منها، عبر توطيد هذه العلاقة بين الطرفين، أي بين المنهج والرؤية، يمكن آنذاك الوصول بالتحليل إلى بر الأمان.

عدد من القيم يتساوى عند الموساوي، المعجم بالنسبة له، بنفس قيمة الصورة الفنية والموسيقى الداخلية للنص أيضا، ولا مفاضلة بين كل ذلك والتركيب، كما أن لكل خاصية  وظيفتها ودورها الذي يميزها عن باقي الخصائص والأغراض الأخرى.         

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

%d مدونون معجبون بهذه: