ملامح وجهه البادية للعيان توحي لمن لا يعرفه بأنه إنسان له علاقة حميمية بالفن. ما إن تجالسه حتى يغمرك بحديثه الطيب الذي يكشف عن فضيلة التواضع التي يتحلى بها كل إنسان عرف حق قدره. لكن سعيد اوبرايم ، العاشق لحمل آلة التصوير، يسمو بكثير فوق قدره كهاو للفن الفوتوغرافي، لكونه ارتقى بأعماله الفنية إلى مرتبة الفنانين الكبار كما تشهد على ذلك الجوائز والألقاب التي حاز عليها في أكبر الصالونات والمسابقات العالمية.
من مدينة أكادير التي عاش فيها، وحبب فيها لعشرات المئات من تلامذته علوم الحياة والأرض قبل إحالته على التقاعد، شد الرحال متنقلا بين الجبال الشاهقة في مختلف الاصقاع، والصحاري الممتدة رمالها على مد البصر، لا تفارقه آلات التصوير التي عشقها حد الجنون، ولذلك ألهمته ذلك الحدس الفني الذي يحتاجه المبدع في تلك اللحظات النادرة التي تنتقيها المصادفة، وتستوجب من المصور الفوتوغرافي أن يكون مسلحا بعين متبصرة قادرة على التقاط أدق التفاصيل في برهة من الزمن، تكاد تقارن بسرعة الضوء.
خلال عقود متتالية من تعاطيه للفن الفوتوغرافي الذي واضب على ممارسته كهواية بعد تقاعده من مهنة التدريس، ظل الفنان سعيد اوبرايم المزداد سنة 1959 ينقل بواسطة عدساته، التي كان حريصا على اقتناء كل جديد طرأ على هندستها، أجمل الصور والمشاهد، وأبلغ التعابير التي كان يصطادها وهو يركض وراء غنى الطبيعة بمختلف مكوناتها، كما ظل يلاحق العمران والإنسان من أجل اقتناص أدق التفاصيل التي تختزل للمشاهد في لقطة واحدة ما يستوجب التعبير عنه بواسطة القلم صفحات من التعبير الكتابي.
هذه التجربة الفنية المتراكمة بالرغم من كون صاحبها يضع نفسه في عداد الهواة، فإنها تشهد على علو كعبه في مجال الفن الفوتوغرافي، لدرجة جاز معها وضعه في أعلى قائمة المحترفين، كما يشهد على ذلك حضوره في أشهر معارض الفن الفوتوغرافي داخل المغرب، وكذا مشاركته عن جدارة واستحقاق في عدد من صالونات الفن الفوتوغرافي في عدد من العواصم العالمية.
فعلاوة عن مشاركته في معارض بمختلف المدن المغربية كأكادير ومكناس وغيرها، حظيت الصور التي التقطها كهاو، ولكن بحس احترافي كبير، في 45 دولة عبر العالم منها، على سبيل المثال لا الحصر، الولايات المتحدة، وألمانيا، وقطر، وفرنسا، وإيطاليا، ومونتينيكرو، وبنكلادش، والبرازيل، وصربيا، وسيريلانكا، وبلجيكا ، واسكتلندا، ونيبال، وهنغاريا، والبرازيل، وإنجلترا ، واليونان، وقبرص ، وسنغافورة وغيرها.
حظوة الحضور في معارض كل هذه الدول، وفي عدد من المعارض الوطنية لم يكن من قبيل المصادفة أو منة من جهة ما، بل جاء نتيجة لعمل دؤوب وعشق لا محدود لالتقاط الصور من طرف الفنان سعيد اوبرايم الذي كان متيما، إلى جانب التصور الفوتوغرافي، بالسفر والرحلات الاستكشافية منذ صغر سنه، سواء داخل التراب الوطني الذي جابه طولا وعرضا، قبل أن تقوده خطواته الاستكشافية نحو أصقاع بعيدة، وثقافات مغايرة للبيئة التي ترعرع فيها.
فإلى جانب جولاته التي لا تكاد تحصى في مختلف جهات المملكة، والتي شملت المناطق الصحراوية المغربية، وجبال الأطلس الشاهقة، والمناطق الحضرية والقروية على حد سواء، استطاع إصرار سعيد اوبرايم على التجوال أن يدفع به ليمضي قدما في رحلاته الاستكشافية خارج التراب الوطني كي ينقل لعشاق الصورة الفوتوغرافية مشاهد لم يعتادوا عليها في أماكن مختلفة من العالم مثل الصين، وجبال الهيملايا ،وغينيا الاستوائية، ومنطقة التبت، وتركيا، والنيبال.
هذه الجولات داخل المغرب وخارجه لم ينقلها الفنان سعيد اوبرايم بواسطة آلاته الفوتوغرافية فقط، بل “أرخ” لها أيضا بواسطة إصدارات فردية، ومساهمات في أعمال تأليف جماعية، كما يشهد على ذلك إصداره سنة 2000 لمؤلف بعنوان “إكودار (الحصون الجماعية) تراث من جنوب المغرب”، الذي أبرز من خلاله جانبا مهما من فنون العمارة المغربية الأمازيغية التي ما تزال تقف شامخة متحدية عوادي الزمن منذ مئات السنين.
من إصداراته أيضا “تافراوت : لقطات من مكان جميل”، والذي استطاع من خلاله أن يطوع عدسته لتحول الطبيعة الجبلية القاسية إلى نوع من الجمال البصري الأخاذ. هناك أيضا إصدار له حول نبتة “أجكال ” التي أثارت اهتمام المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر مما جعلها تبادر بنشر هذا الإصدار الذي جمع بين فنية التصوير ، وجمال الطبيعة ، والتعريف بالموروث النباتي المغربي.
كما صدر لذات الفنان الفوتوغرافي أعمال أخرى بعنوان “موسم طانطان”(2009)، و”مثلث سوس” (2011)، و”أكادير المدينة الهادئة”(2014)، وكتاب “المغرب : رؤى استشرافية”(2018) ، إلى جانب إصدار آخر حول جولاته في شرق القارة الآسيوية والذي يحمل عنوان “كأس شاي بين جبال التبت” والذي صدر له سنة 2014.
لم يكن لهذا التألق المتنامي والمتواصل للفنان الفوتوغرافي أن يمر دون أن يسترعي اهتمام متتبعي ومحترفي الفن الفوتوغرافي، والقائمين على أشهر صالونات هذا الفن عبر العالم، الذين لم يتوانوا عن تكريم النبوغ المغربي في مجال الفن الفوتوغرافي من خلال الفنان سعيد أوبرايم، وفي أكثر من مناسبة.
فقد استطاع هذا الفنان العصامي الذي ارتقى بالهواية إلى درجة تفوق الاحترافية، وتكتسب بعدا عالميا، أن يحظى بالتتويج في أزيد من 28 مناسبة حصل فيها على جوائز وميداليات مرموقة، من ضمنها الميدالية الذهبية لصالون “إس، بي، إف” في اسكوتلاندا، (2018). وجائزة الجمهور في معرض فرانكفورت بألمانيا ( 2007). والميدالية الذهبية لجائزة آل ثاني بالعاصمة القطرية الدوحة (2008). والميدالية الشرفية للجامعة الدولية للتصوير الفوتوغرافي في معرض بيساسي بمدينة بوردو الفرنسية (2010). والميدالية الذهبية للجامعة الأمريكية للفن الفوتوغرافي (2017). والميدالية الشرفية للفيدرالية الدولية للتصوير الفوتوغرافي “فياب” بالبرازيل… وغيرها من الجوائز والألقاب.
وكان آخر تتويج حاز عليه الفنان سعيد أوبرايم هو حصوله على الميدالية الذهبية في معرض نيويورك المقام ما بين 27 يوليوز و 27 أكتوبر 2020، في المسابقة الخاصة بالأبيض والأسود، بفضل صورة التقطها بحس فني مبتكر لسور/ مدخل حي القصبة التاريخي في مدينة تارودانت، إلى جانب فوزه بميدالية شرفية في المسابقة الخاصة بالطبيعة، وهذا ما جعل اسم هذا الفنان المغربي المتألق يدرج ، مرة أخرى، ضمن قائمة الفنانين المتألقين على الصعيد العالمي في مجال التصوير الفوتوغرافي الذي دخله من بابه الواسع.
بقلم : حسن هرماس