الرئيسيةسلايدفاتح ماي .. يوم التطهير!

فاتح ماي .. يوم التطهير!

يحظى شهر مايو في الذهنية المغربية باعتبار خاص، وهو من الشهور ذات الحظوة في الثقافة الشعبية لما يرتبط به من الموسم الكثيرة على امتداد التراب المغربي، لكنه يحظى برمزية خاصة عاليا، لأن اليوم الأول منه “عيد أممي للشغيلة” أي إنه اليوم الذي يسمح فيه للشغيلة بالتظاهر والاحتجاج للتعبير عن آلامها والتذكير بمآسيها والمطالبة بحقوقها.

في المغرب، يطلق على فاتح ماي “عيد الشغل”، وهذا التعبير يعني أولا وجود شغل، ويفيد ثانيا الاحتفال بالشغل والتشغيل، وهو ما يتناقض كليا مع ما يقصد به هذا اليوم عالميا، لأنه يوم المطالبة بالشغل لمحو “أمية البطالة”، ويوم المطالبة بالحقوق التي تجهز عليها الباطرونا، ويوم الاحتجاج ضد الدولة لتحسين قوانين الشغل والتعويض عن فقدانه وعن البطالة، ولا تفيد التسمية “عيد الشغل” في شيء، لأنها تكرس مفاهيم مغلوطة في المجتمع، وهذه المفاهيم هي التي يشتغل بها الوعي الجمعي، فيولد تفكيرا خاطئا في كل ما يتعلق بهذا اليوم..

إذا كان فاتح ماي “مناسبة” للمواجهة بين الشغيلة والباطرونا، وعلى الدولة أن تقف في موقع الحكم لتنظيم العلاقة بين الطرفين، وفق ما تقتضيه قوانين الشغل من جهة، ووفق ما تقتضيه مصلحة المواطنين من جهة ثانية، فإن المسافة بين رؤوس هذا المثلث (مواطن/ دولة/ باطرونا) غير واضحة، بل يصعب في أحايين كثيرة التفريق بين الباذرونا والدولة، وهذا ما يحول الصراع بين المواطنين (الشغيلة) والباطرونا إلى صراع بين المواطن والدولة في أجهزتها القانونية والردعية والديماغوجية، ولعل أي محاولة لفهم طبيعة هذا الصراع يقتضي تحديد نقذ التمايز بين الدولة والباطرونا، وتبدو في المستوى العملي شبه منعدمة، بل إنهما يصلان حد التطابق، ولكنهما في المستوى النظري (وهذا ما يجب أن يكون) متباعدان بالمسافة نفسها التي تفصل اباطرونا عن المواطن، وتفصل المواطن عن الدولة، وكأننها أمام مثلث متساوي الأضلاع…

لأي هدف نخرج إلى الشارع العام في فاتح ماي؟

لسنا في حاجة إلى كرونولوجيا تذكرنا بأهم المحطات التي خرج فيها المغاربة على امتداد التاريخ إلى الشارع العام، في فاتح ماي منذ أول مرة، لنعرف هدف هذه الخرجات، فالموظفون المنقبون يخرجون للدفاع عن مصالحهم الفئوية، أو لترديد شعارات تعبر عن سخطهم أو عن مطالبهم، ولقلتهم فإن الأعداد الهائلة من “المجتمع الفرجوي المغربي” يطعمون المظاهرات، من أطفال ومراهقين وشباب، لم يعرفوا مما هم عليه إلا أنهم أمسكوا بلافتات ويرددون شعارات “كما ترددها الآلات” بتعبير ديكارت في تعريفه للغة..

استغلت الدولة/ الباطرونا جشع الفرد المغربي، فخلقت “مناضلين وهميين” يحسنون الديماغوجيا والخطابة، فسيطرت صورهم على المشاهد النضالية في المغرب المعاصر، وتكونت منهم التنظيمات السياسية من أحزاب ومؤسسات حكومية، وسيطروا على الجمعيات والنقابات، ليعيدوا انتاج الخطاب البيروقراطي في مستويات مختلفة من التواصل، وبوجود هذه “العصبية النضالية الجديدة” تحولت أشكال الاحتجاج ضد المّشَغِّل إلى احتجاج ضد الدولة، فسمي ذلك بالفوضى والمروق والفتنة وغيرها من المفاهيم الاحتوائية التي تنوب عن الدولة في التدخل بالعنف المادي المباشر، وقد تكون هذه المفاهيم “لغة تمهيدية” لشرعنة التدخل المادي والمباشر، وشرعنة العنف المادي ضد المواطن، وهو ما يحدث على طول السنة، فيأتي فاتح ماي، بمباركة الدولة، وبتواطؤ بينها وبين الباطرونا وأشباه المناضلين لإعطاء الفرصة للشغيلة وللعاطلين عن العمل وعن المعطلين، ومن خلالهم للطبقات المسحوقة، فيغتنمون هذه الفرصة للصراخ ورفع الشعارات والسب اللبق للسلطة والمطالبة بحقوق لم تتحقق بالأفعال النضالي، وكأنها ستتحقق بالحناجر والمزامر ..

إنها مسرحية كرنفالية تمكّن المقهورين من التخلص من شحناتهم الزائدة، يصرخون ويرددون ويعاتبون ويلومون.. فيتطهرون من شحنة الرفض الزائدة، فتذوب فيهم المسافة بين اليمين واليسار، بمباركة السلطة، وعند التخلص من تلك الزوائد ينامون ثاني ماي ليعودوا إلى دوامة الاستغلال في ثالث ماي، في انتظار السنة المقبلة للاحتجاج بالطريقة نفسها..

أعتقد أن النضال الحقيقي يبدأ بنزول ممثلي الأمة إلى الساحات العامة وهي ساحات كبرى يجب أن تكون في الجهات، لتساير السياسة الجديدة للدولة، ويخطبون في الناس، يقدمون تقارير عن المطالب المقدمة وعن المقترحات القانونية الجذرية والاصلاحية، ويعطون حصيلة سنة من العمل والمرافعات، فيستمعون إلى الشغيلة ومطالبها وعلى هذا الأساس يكون الاحتجاج، فتكون النقابات متحدة وملتحمة، وتلتزم بخطابها الوحدوي مادامت المناسبة وحيدة والمطالبة هي المطالب نفسها وقس على ذلك، لكن الأمر للأسف يؤكد “مسرحة الاحتجاج” وسيطرة المخرج على اللعبة..

د. محمد شبير

الريصاني 30 أبريل .2023

تعليق واحد

  1. مبارك اشبرو

    عيد باي حالة عدت يا عيد ..سطر من بيت المتنبي في هجائه الكافور الأخشيدي ..فاتح ماي عيد اممي له مكانته في الماضي القريب ويبدو الات انه لم يعد يثير الشغيلة المرهقة والمتطلبات المعيشية والعمل اليومي المكدود واسفار الوعود الكاذبة والقهر والحركة …تحية تقدير للعمال أينما كانوا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

%d مدونون معجبون بهذه: