في هذا الحديث الصحافي مع الكاتب والناقد الأستاذ شعيب حليفي ، بمناسبة فوزه بجائزة المغرب للكتاب دورة 2020 (صنف السرد) عن روايته “لا تنس ما تقول”، هناك تشريح لعوالم كتابة اعتمدت على التنويع من أجل نسج رؤى تسعى للقبض على لحظات حياتية منفلتة من التاريخ.
شعيب حليفي ، الذي عانق الكتابة عن وعي وقناعة ومعرفة مستوحاة من تكوين جامعي عال، أنتج روايات وأعمال نقدية وكتابات لها حس اجتماعي، ضمن مشروع علمي معرفي يضع نصب عينيه بلوغ حياة أفضل .
مسار الكتابة الروائية لشعيب حليفي بدأت سنة 1992 برواية ” مساء الشوق ” ، ثم تلتها ” زمن الشاوية ” ، و( رائحة الجنة) ، و(مجازفات البيزنطي) ثم ” لا تنس ما تقول” التي توجت بجائزة المغرب للكتاب برسم دورة 2020.
- ما هي بشكل مركز ثوابت ومتغيرات هذا المسار ؟
كل كاتب هو جزء من النسق والشروط التي يحيا ضمنها، وكما يخضع هذا النسق لبنية فيها ما هو ظاهر وما هو خفي وما هو ثابت وما هو متغير ، نفس الشئ بالنسبة لي ولغيري.
فقد اخترت أن تكون كتابتي إبداعا من صميم عالمي الصغير المحدود في جغرافية الشاوية ، إذا أردت ان أكون متوسعا، وهي مدينة سطات إذا أردت أن أجعل الصورة أقرب، وهي دوار مرمي على الأطراف بقبيلة المزامزة .
اكتشفت اني لا أستطيع الكتابة خارج هذه الجغرافيا التي تضم كازابلانكا أيضا، وبالتالي يكفيني متخيلها الذي أراه كنزا لا ينفذ ، بل أداة جمالية لمقارعة قبح الواقع أو الراهن أو ما يخيفه الغيب عنا.
أما المتغيرات ، أني ربما صرت عنيفا، على مستوى الدلالات والمعاني واللغة، بما يوازي العنف المتزايد على متخيلنا الجماعي، الذي نعتبره مآوى رائعا يمنحنا القدرة على عدم الاستسلام لليأس والتبريرات.
الرواية ليست ترفا ولكنها خيمتنا التي نجد فيها العدالة والديمقراطية والجمال والقصاص.
- ” لا تنس ما تقول” .. تعيد نسج لحظات مستوحاة من حياة تم القبض عليها بالاستعانة بالذاكرة والتاريخ وحتى الحكي الشفوي.. ما هي العوامل التي تحكمت في إعادة تشكيل هذه العوالم بهذه الطريقة ؟
لا تنس ما تقول، هي دعوة للكلام والحديث والكتابة والحكي والاحتجاج والانتفاض ، ودعوة لبناء عالم جديد وجميل مؤسس على النقد والنقض والنقد الذاتي . طبعا الرواية إبداع لعالم نرى فيه أنفسنا بشكل جديد، وأنا لم أفعل إلا أني تمثلت ما نحس به ولا نعبر عنه ، لأنه ضائع في غمرة الحياة، إنها الحكاية أو الحكايات التي تروي علاقتنا بالزمن وبوجودنا، بأحاسيسنا وبعقلنا وبالسحر الذي لا نراه في صيرورتنا.
لا تنس ما تقول هي سرد لمحكيات عن الروح المغربية وفي خصوصياتها التي تجعل منها مرآة لامنقطعة عن كل التاريخ منذ القديم الضائع وما تبقى من آثاره في النفوس وفي الأحلام وفي الخيال… إرثنا الثقافي الذي يربط الإنسان المغربي بنفسه وبمحيطه وبخصوصياته الفريدة.
- بناء على ما سبق ما هو فهمك تحديدا لعملية الكتابة ؟
-الكتابة بقدر ما تكون إبداعا جماليا ممتعا ومشدودا إلى المشاعر، فهي فن في حماية النفس وفي مقاومة الأعطاب الكثيرة التي تنمو سريعة حولنا فتشوه حياتنا وتقتلنا.
- لديك إسهامات في مجال الكتابة النقدية .. من أي زاوية تنظر للنقد الأدبي المغربي المصاحب للأعمال الروائية ؟
هناك بطء في متابعة الإبداع المغربي، ولعل ذلك راجع لما نعيشه من سوء فهم في العملية النقدية. ما هو موجود لا يتعدى أن يكون متابعات وتوصيفات ومجاملات، بينما النقد الأدبي قليل ونادر، لأنه مرتبط بالبحث الأدبي في الجامعة، ومدى مساهمة الباحثين في الحياة الثقافية. وقد تمر سنة لا نجد فيها مقالات نقدية لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة أو كتابا نقديا موفقا.
إننا نمارس النقد فقط في البحوث الجامعية والمجلات المحكمة والتي تظل رهينة المكتبات الجامعية، ونحاول مع آخرين أن ننفتح على الجمعيات الثقافية وتعميم الممارسة النقدية باعتبارها أداة لممارسة صحيحة في النظر إلى الابداع والمجتمع.
- لديك حس اجتماعي في التعاطي مع قضايا وطنية ، ما هي دوافع ذلك ؟
نحن ولدنا ونحيا في بلد اسمه المغرب ، وهو بلد إفريقي وعربي ومسلم ومغاربي ومتوسطي ، ونحن مشدودون إلى نظام عالم يقيدنا. وقدرنا أن نقاوم ليس الاستعمار المقنع أو مخلفات الاستعمار المباشر، ولكننا نقاوم مخلفات تاريخية ، كما نقاوم ما يخطط لنا في المستقبل ، وذلك ما يدعو المثقف اليوم في بلداننا ان يكون منخرطا وعضويا للبناء ومواجهة كل هذا الهدم والخراب الذي طالنا. وأنا واحد ممن يؤمنون بهذا الدور النبيل الذي لا نزيغ عنه أبدا.
إعداد عبد اللطيف الجعفري