أكد الأستاذ في جامعة نيويورك، المغربي أنس باري، الذي يدير مختبر أبحاث حول التحليل التوقعي والذكاء الاصطناعي، أنه يمكن توقع نتيجة انتخابات ما بفضل تحليل البيانات العديدة المتوفرة على شبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت بشكل خاص.
وأوضح هذا الخبير في المعلوميات والتحليل التوقعي، أحد أشكال الذكاء الاصطناعي، في “معهد كورانت” التابع لجامعة نيويورك ، التي تحتل المرتبة الأولى على مستوى العالم في بحوث الرياضيات التطبيقية، أنه في عالم يهيمن عليه الذكاء الاصطناعي، يصبح الفوز في الانتخابات بمثابة “لعبة أرقام” تدور أحداثها على وسائل التواصل الاجتماعي.
وبرأي أنس باري ، إن التحليلات التوقعية في السياسة لا تهدف فقط إلى “التنبؤ بالمستقبل” ، ولكن أيضا إلى “تغيير المستقبل” ، من خلال استهداف الناخبين المحتملين برسائل سياسية محددة.
وشدد على أن الجامعات المغربية يجب أن تنشئ المزيد من برامج الذكاء الاصطناعي “لتحضير الجيل القادم من علماء البيانات الذين يمكن أن يساعدوا المغرب على أن يكون جزءا من الثورة العالمية للذكاء الاصطناعي”. وأكد باري أن الأمر يتعلق باستثمار في المستقبل ، من شأنه أن يساعد على “إنعاش الاقتصاد وخلق الآلاف من فرص الشغل الجديدة” .
1- كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد المرشحين السياسيين على خوض الانتخابات والفوز بها ؟
في الواقع ، ساهم الذكاء الاصطناعي في الفوز بأصوات في الانتخابات الأمريكية التاريخية التي جرت في نونبر 2020. إن السر بسيط ، فالمرشح الذي يتم دعم حملته الانتخابية بواسطة الخوارزميات الذكية للتحليل التوقعي هو القادر على الفوز في الانتخابات. هذا الأمر لا ينطبق فقط على الانتخابات الأمريكية، ولكن أيضا على الانتخابات في جميع أنحاء العالم . فالتحليلات التوقعية تلعب، كما تأكد منذ الحملة الانتخابية لباراك أوباما عام 2012 ، دورا مهما في إقناع الناخبين على نطاق واسع، ليس فقط في إطار الاقتراع الرئاسي في الولايات المتحدة ، ولكن أيضا أثناء الانتخابات الكبرى في العالم بأسره.
وهكذا يصبح الفوز في الانتخابات في عالم يهيمن عليه الذكاء الاصطناعي بمثابة “لعبة أرقام” تدور على وسائل التواصل الاجتماعي ، حسب أنس باري ، الذي يشير إلى أن التحليل التوقعي يساهم في تعزيز فعالية الحملة الانتخابية، ويوصي بالكلمات التي يتعين استخدامها في الخ طب ، ويساعد جيش المتطوعين للحملة الانتخابية على اتخاذ المزيد من القرارات المستندة إلى البيانات، ومنها : (1) تحديد من المستهدف ، (2) متى تستهدف الناخبين ، و (3) ما هي الرسالة السياسية التي يجب تقديمها ولأي فئة مجتمعية ؟.
التحليلات التوقعية في السياسة لا تتوخى فقط التنبؤ بالمستقبل، ولكن أيضا تغيير المستقبل. بمعنى أن التكنولوجيا ستتنبأ بالمرشح الذي قد يصوت له ناخب معين (توقع المستقبل)، وكل ذلك استنادا إلى المعطيات التاريخية والبيانات المتوفرة على وسائل التواصل الاجتماعي، ثم ستتوقع التكنولوجيا الرسالة السياسية التي يجب تقديمها إلى هذا الناخب لإقناعه بالتصويت لمرشح معين (وبالتالي تغيير المستقبل).
إن التحليلات التوقعية هي أيضا تكنولوجيا تستفيد من “التجربة”، وأعني بالتجربة هنا البيانات . فالخوارزميات ستستفيد من الأحداث والاتجاهات التاريخية، وستبني قواعد تتنبأ بالمستقبل، وأن تقنية التحليل التوقعي تعتمد على البيانات الضخمة “بيغ داتا”. ففي الواقع ، تشكل التغريدات في الوقت الحقيقي وعمليات البحث على (غوغل) وتدوينات الفيسبوك جزء من ظاهرة البيانات الضخمة. فمستخدمو (تويتر) يقومون بتحميل ما يقرب من 500 مليون تغريدة يوميا تعكس عمق أفكارنا ومشاعرنا، في حين يعالج (غوغل) ما يقرب من 3,5 مليار عملية بحث يوميا . لقد أصبحت عبارة “google it” في الواقع عالمية ، حيث تخلق نافذة على الأفكار ، وتترجم الحياة الخاصة إلى معلومات كمية.
2- تؤكدون على أن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على توقع نتائج الانتخابات في المستقبل ، هل يمكن أن تشرح لنا كيف يمكن ذلك وإلى أي مدى يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي أكثر دقة من استطلاعات الرأي؟
في الولايات المتحدة ، كانت استطلاعات الرأي خاطئة في انتخابات عام 2016. ومنذ بداية عام 2019 ، أكدت استطلاعات الرأي أن جو بايدن كان متقدما بفارق كبير على دونالد ترامب. لكن في هذه الاستطلاعات، كانت هناك الكثير من التناقضات. لقد أظهرت بعض استطلاعات الرأي أن بايدن متقدم في فلوريدا ، بينما أظهرت استطلاعات رأي أخرى أنه متساو مع ترامب أو متأخر عنه قليلا. نظريتي العامة هي أن استطلاعات الرأي تعطي جرعة خطيرة من الثقة الزائدة ، وغالبا ما تستند إلى عينات صغيرة من 500 شخص ، ولذلك قد لا تكون استطلاعات الرأي بمنطق رياضي ، ممثلة لعدد كبير من السكان ، ذلك أن فئة مهمة غير مستعدة لاستطلاع آرائها .
وقال الباحث المغربي “أود أن أؤكد أن هناك مجموعة من المصادر الجديدة للبيانات ، حيث يمكن أن يصبح (تويتر وفيسبوك وغوغل) مكونا ضروريا للتنبؤ بنتائج الانتخابات وأيضا للفوز بها” .
في إطار مختبر البحث الخاص بنا في جامعة نيويورك، لاحظنا أن عمليات البحث بالنسبة للوحات الحدائق (مثلا الملصقات المؤيدة لترامب، والملصقات المؤيدة لبايدن) وعمليات البحث في غوغل المرتبطة بالبضائع هي عناصر لتوقع نتائج الانتخابات، يمكن أن نعرف من خلالها بدرجة عالية من الدقة من سيصوت لمن.
وعلى سبيل المثال، إذا بحثت في غوغل واشتريت لوحة حديقة، أو قبعة، أو علما، أو قميصا، أو ملصقا للسيارات يشير إلى مرشح، فهذا يعني أنني أدعم هذا المرشح ومن المرجح أن أصوت له. لذلك قمنا بدمج تحليل مشتريات البضائع، والاتجاهات التي تم التعبير عنها في تويتر وفيسبوك انطلاقا من 94 مليون تغريدة جمعناها لاستنتاج خلاصة أن بايدن يتقدم فقط بنسبة ستة في المائة، كما قلنا ذلك في أكتوبر المنصرم، وهو ما يتوافق مع نتائج الانتخابات الرئاسية في نونبر: فاز بايدن وحصل ترامب على عدد كبير من الأصوات.
3 – أنت تدرس وتدير مختبر أبحاث الذكاء الاصطناعي بجامعة نيويورك ، تحدث لنا قليلا عن طبيعة أعمالك؟
لقد أسست وأدير مختبر أبحاث حول التحليل التوقعي والذكاء الاصطناعي في جامعة نيويورك- والذي يتم تمويل جزء منه من طرف “Amazon IA”، حيث نطبق علم البيانات (Data science) لتصميم أدوات الذكاء الاصطناعي.
يدرس فريقي القيمة الاستراتيجية للذكاء الاصطناعي في حل المشكلات ذات التأثير الكبير، من قبيل الأوبئة، والتحولات في الأسواق المالية، وتغير المناخ والانتخابات في جميع أنحاء العالم. فريق مختبري متعدد التخصصات ويتكون من متخصصين في المعلوميات وخبراء في الذكاء الاصطناعي وأطباء. على سبيل المثال، من بين الأعضاء الأكبر سنا في مختبر الأبحاث نجد الدكتور ماتياس هيمان، عالم رياضيات ألماني، ومؤلف كتاب “The Adaptive Curve Evolution Model for Interest & FX Rates” والذي اشتغل في بنك غولدمان ساكس الأمريكي قبل الانضمام إلينا، بالإضافة إلى البروفيسور ميغان كوفي، المسؤول الطبي الأول عن الأمراض المعدية في كلية غروسمان للطب بجامعة نيويورك. أشرفت على إدارة الفريق الأول في العالم لتصميم أداة للذكاء الاصطناعي في مارس 2020 (في وقت بدأ وباء كوفيد-19 في الانتشار في الولايات المتحدة) للمساعدة في الكشف القبلي عن المرضى الذين من المحتمل أن يشكلوا حالات خطيرة ل(كوفيد- 19). ويتعلق الأمر بأداة تروم مساعدة الأطباء على اتخاذ قرارات أفضل قائمة على المعطيات بالنظر إلى الموارد المحدودة في المستشفيات.
لقد تعلمت على مر السنين في الوسط الجامعي أن نجاح مختبر للأبحاث يكمن في تنوعه، وبالتالي، فوجود فريق متعدد التخصصات بخبرات متنوعة وخلفيات متنوعة، سيعطي مختبر أبحاث فعالا. في عالم السياسة، مشاريع البحث التي نقوم بها تستند إلى حقيقة أن وسائل التواصل الاجتماعي غيرت الطريقة التي يدير بها المرشحون والأحزاب السياسية حملاتهم، الشيء الذي غي ر بشكل جذري الطريقة التي يتلقى بها مواطنو العالم المعلومة السياسية. نحن نطبق الذكاء الاصطناعي ونراقب استراتيجيات المرشحين على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف توقع نتائج الانتخابات.
4 – ما هي النصائح التي تقدمونها للمغاربة في ما يتعلق بتعلم واستخدام الذكاء الاصطناعي؟
المغاربة موهوبون وأذكياء ويتعلمون بسرعة. أنصحهم بتعلم الذكاء الاصطناعي والتحليل التوقعي في أقرب وقت ممكن في مسارهم الجامعي. في رأيي، ينبغي تنفيذ المزيد من البرامج الجامعية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي لإعداد الجيل القادم من علماء البيانات الذين يمكنهم مساعدة المغرب على أن يكون جزء من الثورة العالمية للذكاء الاصطناعي. إنه استثمار في المستقبل يمكن أن يساهم في إنعاش الاقتصاد وإحداث آلاف مناصب الشغل الجديدة.
أوصي أيضا بالاستثمار أكثر في إحداث مختبرات أبحاث الذكاء الاصطناعي التي يمكن توجيهها تحديدا لمجالات تهم المغرب من قبيل الفلاحة وإحداث فرص الشغل والمالية والرخاء الاجتماعي والتنمية البشرية.
أجرى الحوار: نوفل النهاري (و.م.ع)