من منا لم يفكر في لحظة ما في تغيير وظيفته والسعي وراء طموحه من أجل الارتقاء مهنيا وبناء مسار واعد، وتحقيق وضع مادي أكثر استقرارا أو لمجرد الرغبة في رفع تحديات جديدة، غير أن الأمر لا يتعلق بخطوة يسيرة يخطوها أيا كان. والواقع أن تغيير المسار المهني لم يكن مثار اهتمام كبير في الماضي، حيث كان ينظر إلى هذه الخطوة في الغالب على أنها قفزة نحو المجهول، ولم تصبح هذه الممارسة شائعة في أوساط الموظفين إلا خلال العقد الأخير.
فضلا عن ذلك، أعادت الأزمة الصحية الحالية فتح النقاش والتفكير العميق حول مسألة اللجوء إلى إعادة التوجيه المهني. ويرى البعض في هذه الممارسة فرصة لاستكشاف آفاق مهنية جديدة، بينما يعتبر البعض الآخر أنه لا يجب بأي حال من الأحوال مغادرة وظيفة ما دون التوفر على رؤية للمستقبل.
وفي هذا الصدد، يعتبر مدرب التنمية الذاتية والمدير السابق للموارد البشرية، رشيد شاهد، أن الظرفية الراهنة التي يطبعها تفشي جائحة كورونا تشكل فرصة للبعض للتفكير العميق وطرح الأسئلة المناسبة بخصوص مسارهم المهني.
وقال شاهد، الذي عاش بنفسه تجربة تغيير المسار المهني، إن خوض هذه التجربة يشكل تغييرا جوهريا في حياة الأفراد، مشيرا إلى أن النجاح في هذا التغيير مشروط بالاستفادة من مواكبة المختصين.
وحث في هذا الصدد، على تحديد الأولويات، وتعريفها ومطابقتها مع القيم الشخصية، مع التركيز على النقاش مع الخبراء في المجال والاستئناس بآرائهم، بالنظر إلى قدرتهم على تحديد مؤهلات الأشخاص والمسار الذي يناسبهم.
وأوضح مدرب التنمية الذاتية أن ” تغيير المسار المهني هام إذا تحلينا بالشجاعة للإقدام عليه ولو لمرة واحدة في الحياة، غير أنه ومع الأسف، لا يحبذ الكثيرون ذلك، حيث يفضلون البقاء في منطقة الراحة الخاصة بهم وتقبل وضعيتهم إلى غاية بلوغهم سن التقاعد دون بذل أدنى جهد لتحقيق التغيير”. وبرأي المدير السابق للموارد البشرية، فإن المشغلين يفضلون توظيف الأشخاص الذين خاضوا تجربة تغيير المسار المهني مرة أو مرتين.
من جانبه، أبرز المستشار المهني ومدير مكتب للاستشارة في الموارد البشرية والتنظيم، أديب الشيخي، أن الأزمة الصحية الراهنة، وبالرغم من تداعياتها الاقتصادية، تحمل في طياتها العديد من فرص الأعمال، وقد تشكل الفرصة المواتية للتكوين والاستثمار وتغيير المسار المهني، ذلك أن الأزمة الصحية أفرزت احتياجات جديدة، مما يفتح آفاقا واعدة أمام الأشخاص القادرين على سد هذه الاحتياجات.
ويعرف الشيخي تغيير المسار المهني على أنه تمرين لا يحسن القيام به إلا أشخاص من طينة معينة، مبرزا أن الأمر الأساسي في هذه العملية يتعلق بأخذ الوقت الكافي، وعدم الإقدام على هذه الخطوة لمجرد اتباع التوجه العام، مؤكدا أن الأهم هو تجنب فشل التجربة. وفي هذا السياق، شدد على أن الفشل الذي قد ينجم عن تغيير المسار المهني يعود في الغالب إلى عدم الاستعداد لهذه الخطوة بالقدر الكافي أو بسبب غياب التكوين.
وأكد المستشار المهني، في تصريح لـ “ماب” أن ” تميز الشخص في مجال معين لا يعني بالضرورة قدرته على النجاح في تغيير مساره المهني”.
علاوة على ذلك، أوضح السيد الشيخي أن النجاح في هذا الانتقال يستلزم بالضرورة إعدادا جيدا، ويقوم، في جزء كبير منه، على الجانب النفسي.
*غيتة عزوزي (و.م.ع)