– وديع سكوكو –
عُرف المغرب بتعدد اللغات المستعملة في مجموعة من السياقات المتباينة، والتي تحدد الوضعية السوسيولسانية لكل لغة، سواء أكانت لغة وطنية أو أجنبية. وتمثل هذه اللغات في : اللغة الأمازيغية بتنوعاتها الجهوية، والدارجة المغربية بمتخلف تحققاتها، ثم اللغة العربية الفصحى، واللغة الفرنسية، والإنجليزية، والإسبانية.
الحديث عن مفهوم اللغة الأم سيقتصر على الأمازيغية، والدارجة، والعربية الفصحى، والفرنسية. حيث أن تعريف هذا المفهوم يرتكز على اللغة التي يكتسبها الفرد داخل جماعته اللغوية، التي تبتدأ بالأم، فالأسرة، ثم الجماعة التي يتنمي إليها، ويتقاسم معها عواطفه وأحاسيسه وهمومه. كما أن هناك من يقول بإمكانية الحديث أن ثنائية اللغة الأم، خصوصا في الأوساط الثنائية اللغة.
بالتالي، الحديث عن اللغة الأم بالمغرب يهم في البداية اللغة الأمازيغية بمختلف تنوعاتها اللهجية من الشمال إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق، هذه اللغة التي تنسجم وجدانيا وعاطفيا وسوسيولسانيا مع التعريف الذي تتحدد به اللغة الأم. نفس الشيء ينطبق على الدارجة المغربية (التي تعتبر لغة مزدوجة، ببنية لسانية أمازيغية ومعجم أمازيغي – عربي)، هذه اللغة لا تختلف في تحديدها مع اللغة الأمازيغية، باعتبارها لغة يحتك بها الفرد إلى جانب أمه منذ ولادته، ومع جماعته بأفراحها وأحزانها.
تجدر الإشارة هنا، أن هنا بعض العائلات التي تكون ثنائية اللغة، إما أمازيغية – دارجة أو أمازيغية – فرنسية أو دارجة – فرنسية. هنا يمكن الحديث عن ثنائية اللغة الأم.
فيما يتعلق باللغة العربية الفصحى، وفي مقارنتها بتعريف اللغة الأم، وبالوضعية السوسيولسانية في السوق اللغوية المغربية، يصعب الحديث عن لغة أم، لأنه ليس هناك أي فرد مغربي وجد نفسه في وسط تتحدث فيه أمه وأبيه وإخوته بالعربية الفصحى، كما أن هذه اللغة لا يجدها في حياته اليومية التواصلية مع جماعته، بل هي لغة قراءة وتواصل في سياقات رسمية، ودينية، وتعليمية، وإعلامية، وإدارية على مستوى الوثائق. فلم نصادف يوما شخصا في الشارع ونتبادل معه أطراف الحديث باللغة العربية الفصحى، لكن يمكن فعل ذلك باللغة الأمازيغية وبالدارجة المغربية…
هذا ليس تحاملا على اللغة العربية الفصحى (وها أنذا أكتب بها وأنت تقرأها)، بل هو محاولة لفهم مفهوم اللغة الأم في علاقته باللغات بالمغرب. وبه فاللغات الأم التي يمكن الحديث عنها في المغرب هي الأمازيغية والدارجة، وإلا فإهمال الدارجة على حساب العربية الفصحى، سيدفع بالتناقض اللغوية في الدفاع عن اللغة الأم الشكلية واللغة الأم الحقيقية حسب التعريف.