كان الأديب و المفكر مولود معمري، الذي رحل منذ 32 سنة (26 فبراير 1989)،”رجل عصره” لا طالما انشغل بمصير ذويه وارتبطت أعماله بحياته وبحثه المستمر عن هويته و ثقافته التي شكلت القاسم المشترك لكل أعماله، طوال نصف قرن من الزمن, كما جاء في تصريحات جامعيين.
و بقي البحث المستمر عن الهوية و الذات حاضرا منذ أولى كتابات مولود معمري خلال منتصف سنوات 1930 و هو في العشرين من عمره، إلى غاية كتابه الأخير”، مثلما أبرزه الباحث في علم الانثروبولوجيا و تلميذ معمري, عبد المالك صياد.
وورث معمري جملة من المعارف التقليدية عن عائلته التي كان العديد من أفرادها رجال ثقافة بما فيهم أباه و عمه، قبل الذهاب لأجل اكتساب المعرفة “العالمية” ثم استغلالها لتطوير هذا الإرث والبحث في هويته.
وشكل اهتمامه بالشعر القديم أول مادة له، سرعان ما طورها لتقوده إلى استكشاف ميادين أخرى استعملها في التعبير عن البحث عن نفسه.
واستغل الأديب الراحل مولود معمري ولوجه عالم الانثروبولوجيا بمحض “الصدفة” بعد تعيينه على رأس المركز الوطني للأبحاث في علم الانثروبولوجيا و ما قبل التاريخ و علم الإنسان، لكي يعمق البحث و يذهب به بعيدا و يتعمق في كل العناصر المشكلة لهذه الهوية على كل امتداد إفريقيا الشمالية”، كما سجل تلميذه صياد.
ولاحظ السيد عبد المالك صياد في السياق أن الانثروبولوجيا كانت سابقا “علما يهتم بدراسة الآخر لكن الاديب معمري حوله ليجعل منه علما يهتم بدراسة النفس من خلال العديد من اللقاءات و الأعمال البحثية عن الهوية الوطنية”.
و ساهم الراحل من خلال هذه الأبحاث المتمحورة حول الأمازيغية و مختلف العناصر المشكل لها, في إعادة الاعتبار لل”غوانش” (المتغير الامازيغي لجزر الكناري) و ذلك من خلال إبرازه صلته مع المتغير أو اللهجة الترقية و إنشاء همزة وصل ما بين امازيغ جزر الكناري و امازيغ القارة.
كما أكد السيد صياد أن لمعمري “الفضل الكبير في تشجيع الأبحاث عن العربية الدارجة الجزائرية المتداولة في مختلف مناطق البلاد” و التي “كان يلمح فيها أصولا امازيغية”، حسب هذا الباحث.
الكتابة كسلاح ضد المستعمر
من جهته، يرى الكاتب الصحفي جمال لاصب، الذي قام بترجمة رواية الاديب الراحل معمري “نوم العادل”، أن المؤلف كان يعتبر الكتابة “منبرا عبر من خلاله الكاتب، الذي كان يناضل من اجل استقلال بلاده و تطورها، عن مواقفه و تمرير رسائله”، كما قال.
وأبرز انه بالرغم من “صعوبة الكتابة في ذلك السياق المميز بالرقابة الاستعمارية و الجهل السائد بين مواطنيه الذين لم يتمكنوا في معظمهم من التعلم, إلا أن معمري بفضل معرفته الواسعة و ارثه العريق قد استغل هذا السلاح المحرر (الكتابة) لمواجهة الاستعمار”.
وأضاف أن الكاتب معمري كان “يتقمص إحدى شخصياته في كل رواية كتبها” سيما ثلاثيته المشهورة التي تروي تاريخ الجزائر تحت نير الاستعمار، والتي شكلت “الربوة المنسية “ديكورا لها، قبل إدراكه لوضعيته في “نوم العادل” الذي أدى إلى تحرره في “الأفيون و العصى”.
وقد عبر معمري في “نوم العادل” عن “خيبة أمله الكبيرة بعد إيمانه بالمثل العليا الغربية بعد إدراكه لوضعيته كمواطن محلي من الدرجة الثانية” في بلده المحتل, كما تحمل في لحظة من الصفاء وضعية هجينة رغما عن نفسه، و هو” ما يتعارض مع أي فكرة للنقاء و الطهارة”، كما قال الكاتب لاصب.
وكان مولود معمري أيضا رائدا في ميادين البحث حول الامازيغية و اللغة و الثقافة حيث تشكل أعماله الجامعية و الاكاديمية ركيزة أساسية لتعليم هذه اللغة.