-كريم امزال-
مما لا ريب فيه أن ثاني الموروثات السياسية الفاعلة في المغرب راهنا هو الموروث المتمثل في الحضور المكثف للمخزن ، و تمثله كقوة خارقة لامحيد عن الاحتماء بها، و حينما نحاول رصد تمثل الانسان المغربي لطبيعة المخزن على مستوى المفاهيم أو المرجعيات أو الممارسات الاجتماعية و السياسية ، فإننا نجدها في مجملها تصب في منحى خلق صورة قوية و خارقة للمخزن لا منافس لها ، فجميع الفواعل السياسية و الإجتماعية تتكلم عن ” يد المخزن الطويلة ” و هذا المثل الشعبي الشائع يتجلى بوضوح في تلك القولة الشهيرة التي اعتدى آجدادنا تكرارها، ” أن هناك ثلاثة أشياء يجب أن يأخد الإنسان حذره منها “النار و “البحر” و “المخزن” و تمثل المخزن كقوة يؤكده البحث الذي قام به ريمون جاموس في قبائل اقلعيين بجبال الريف ، بحيث ان هذه القبائل الريفية انداك تربط بين بركة السلطان و قوته كسلطة و تنظيم .
وواقع تمثل المخزن كقوة يفضي إلى شيء هو عدم القدرة على مقاومته و مقاومة أفكاره و توجهاته و بالتالي ضرورة الاحتماء به و التماهي معه، كالمثل الشعبي القائل ” الله ينفعنا ببركة المخزن”، و هذا ما نلاحظه في سلوكيات و رؤى الانسان المغربي في مغرب الاستقلال، يسهل عليه بأن يقول هناك مخزنة للمجتمع المدني و السياسي و هذا ما يتبين من خلال ثقافتنا الشعبية و الأمثال و الأفكار و المثل المتداولة من جيل الى آخر و في كل ربوع المملكة ، و هاته خلاصة تتمشى مع المنطق المعاش ما دام ان الانسان المغربي يتمثل المخزن كقوة يمكن وصفها بقوة قاهرة لا يستطيع أي فاعل سياسي أو نقابي أو اقتصادي أو اجتماعي أو مدني مواجهته ، فإن هذا الفاعل يسعى دوما إلى التماهي معه عبر الاحتماء به و السعي إلى كسب بركاته المادية و المعنوية ( الامتيازات، الريع…)
في مغربنا الحبيب الغالي الذي يقوده…، غالبا ما يتم التعامل مع الاحزاب السياسية بمعيارمدى تمتعها برضى المخزن من عدمه ، بغض النظر عن كونها أحزاب القصر الإدارية او الاحزاب التي بيعت الماتش … او أحزاب وطنية شعبية مناضلة لها تاريخ و مواقف و مبادئ لاتستطيع الرجوع عنها و لو اقتضى الحال تضحية الجسام.
و لهذا فرضى “المخزن” هو الوحيد و الأوحد يجعل من الحزب بين عشية و ضحاها يشكل قوة ذات وزن في المشهد السياسي المغربي نظرا لدعم المخزني له ( السلطة المال)، و تجعله حاضر بقوة في الساحة السياسية الوطنية، بالعودة إلى التاريخ القريب فكلنا يتدكر تجربة ” جبهة الدفاع عن المؤسسات السياسية الدستورية ” سنة 1963 و تجربة التجمع الوطني للأحرار سنة 1977 و تجربة الاتحاد الدستوري في سنة 1984 و أخيرا و ليس أخيرا تجربة العدالة و التنمية بالموزاة مع حركة 20 فبراير الشبابية.
و يكفي في المغرب ان يعتقد الناس و بعض مناضلي و مناضلات الحزب أن “المخزن ” قد تخلى عن رئيس الحزب أو أن توجهاته أو أن تحركاته لاترضي المخزن ليبتعدوا عنه، و لعل ما يجري اليوم في صفوف العدالة و التنمية حزب البيليكي و الديبخشي ، و الحركة الشعبية آنذاك عندما تخلى المخزن عن رئيسه يزكي هذا الرأي .
كان معظم المواطنين ينتمون إلى حزب التجمع الوطني للأحرار عندما كان أحمد عصمان يترأسه لا لشيء، الا لكونه صهر الملك المغفور له الحسن الثاني طيب الله تراه ، و كونه انداك على رأس السلطة التنفيذية، و حين أزيح أحمد عصمان عن الوزارة الأولى، أخد حماس الاعضاء المنتمون للحزب يفتر و يتبخر تجاه الحزب ليخمد تماما مع حلول سنة 1984، لا لشيء أيضا إلا لأنهم لبسوا و تزينوا بثوب حزب جديد ” الاتحاد الدستوري” كان رئيسه انداك هو الآخر على رأس السلطة التنفيذية….وصولا إلى حزب الأصالة والمعاصرة الذي قام بتأسيسه عبد العالي الهمة مستشار صاحب الجلالة ، لينخرط في صفوف الحزب العديد من المواطنين و المواطنات ليلبسوا ثوب الرضى و الاحتماء و صمام الأمان.
في المغرب وواقعه السياسي لا المزري، ليس هناك اعتراف بمقولة “الحياد” أو مقولة “الاستقلالية” فأنت إما مع المخزن و إملائته، أو ضده خيارين لا ثالثة لهما، و هذا الموقف أو الخيار ، يتجلى بوضوح في ما جرى في صفوف حزب “الحركة الشعبية” بعد الانتخابات التشريعية لسنة 1984 فعندما هدد المحجوبي أحرضان رحمة الله عليه، بأنه سينضم إلى المعارضة ، تشكلت لجنة من الحركة الشعيبية و توجهت إلى القصر انداك لتؤكد لجلالة الملك المغفور له الحسن الثاني أنها لاتساير ما يذهب إليه أحرضان (رحمه الله ) و أنها لا تفكر في الإنضمام إلى المعارضة بل ستظل عاملة، و اللجنة لا تدرك معنى المعارضة في إطار اللعبة السياسية و البرلمانية ، لكونه فهم حديث يتنافى مع الموروث السياسي المتسلط .
في المغرب تبقى اللعبة السياسية ( الشطرنج) لعبة المصالح و الجري و راء الغنائم و لهذا معظم الفاعلين السياسيين يهرولون وراء مصالحهم الشخصية و ملئ الجيوب و الامتيازات و تحقيق أهداف شخصية على حساب الفقراء و المقهورين… ، لهذا فرضى الاحزاب السياسية للمخزن من عدمه أولى لكسب الرهان الإنتخابي، و ما يهز في النفس دعم الدولة لدكاكين الحزبية بالمليارات على حساب الوطن و المواطن ، هذه الأموال الطائلة لو تم رصدها خدمة لتنمية البلاد لو أصبحت أحوالنا فوق فكيك.