- عدنان عبوا
تعلق المغاربة بكتاب الله تعالى، حفظا ورسما وبيانا، حدا بهم إلى إنشاء رباطات وزوايا دينية تعينهم على هذه المهمة، كما هو شأن زاوية سيدي بوطيب بإقليم اليوسفية، التي اشتهرت، على مر التاريخ، باضطلاعها بأدوار علمية رائدة في الدراسات القرآنية والعلوم الدينية.
وتتمثل خصيصة زاوية سيدي بوطيب، الواقعة بقيادة السبيعات بالشماعية التابعة لإقليم اليوسفية، والتي أنشأها الولي الصالح سيدي بوطيب بن الحاج بومهدي العزوزي السباعي، سليل قبيلة أبي السباع، علم المنطقة الذي اشتهر بالعلم والفضل والتقوى، هو تحفيظ القرآن الكريم على الطريقة التقليدية، التي تحض طالب العلم على ملازمة اللوح والقلم، وتحببه في الصلصال منذ صغره.
وتشكل هذه الزاوية، التي يعود تأسيسها إلى القرن 13 هـ/ 19 م، امتدادا للزاوية الناصرية في أوراد التعبد والتقرب إلى الله تعالى، وفي مجاهدة النفس وإلزامها الطاعة بغرض تطهير الروح، وتكريس قيم السمو والتسامح. كما تنهض هذه البنية بوظائف عديدة لعل أبرزها تقوية إيمان المريد بالله تعالى، والتأسي برسوله صلى الله عليه وسلم، مع تحفيظ القرآن الكريم، ودراسة القراءات القرآنية وتعليم الرسم القرآني، واستظهار المتون، كالأجرومية والألفية.
وعناية بالسنة النبوية، تضطلع زاوية سيدي بوطيب، التي يعود أول ظهير توصلت به من طرف السلطان العلوي مولاي عبد الرحمان بن هشام إلى سنة 1263 هـ، بتحفيظ الأحاديث النبوية، بدءا بالأربعين النووية، ثم موطأ الإمام مالك، وصحيحي البخاري ومسلم، وكتاب الشفا للقاضي عياض، مع التركيز على العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي وتصوف الجنيد السالك.
وقال مسعود المنصوري، عن زاوية سيدي بوطيب، إن “هذا الرباط الديني المتميز ذو رصيد نضالي جلي، وطالما تشبث بأهداب العرش العلوي المجيد”، مضيفا أن “الزاوية لعبت أدوارا علمية رائدة منذ التاريخ القديم، لاسيما في ضبط الدراسات القرآنية والتبحر في العلوم الدينية والشرعية”.
وأوضح في تصريح لقناة (إم 24) التابعة للوكالة المغربية للأنباء، أنها أصدرت عدة كتب ومؤلفات صاغها باقتدار الأسلاف وتناولت مواضيع تتعلق بالفتيا والعقيدة، لافتا إلى مساجدها الأربعة التابعة كلها لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وهي المسجد العتيق، ومسجد أولاد أبي عنان، ومسجد أولاد بن مبارك، ومسجد سيدي سالم.
واستشهد السيد المنصوري بالسنة الحميدة التي سنتها الزاوية ومريدوها والتي تتجلى في أن تتم أيام 24 و25 و26 الذي يصادف ليلة القدر، زيارة زاويتي سيدي العروصي، وسيدي موسى بن عباد، تفعيلا منها لـ”صلة الرحم” بين الزوايا والرباطات الدينية وأهليها.
أما عمر أمزايل الباعمراني السوسي، محفظ القرآن الكريم بمدرسة التعليم العتيق التابعة لزاوية سيدي بوطيب، فأشار في تصريح مماثل، إلى أن هذه المدرسة تؤدي دورها على غرار مدارس أخرى منتشرة بالمملكة، مضيفا أن البرنامج يضم تدريس علوم القرآن رسما وضبطا وتجويدا، مع إيلاء القراءات السبع والعشر عناية فائقة.
وبعدما أعرب عن استعداده للعب دوره كاملا في تحفيظ القرآن الكريم، نوه السيد الباعمراني السوسي بالأدوار التي تنهض بها الجمعية التي تدبر المدرسة، وتوفر خدمات الإيواء والمبيت والمطعمة، مثمنا عاليا مكرمات مؤسسة إمارة المؤمنين في حفظ القرآن الكريم والعناية بأهله وحملته.
بدوره قال محمد بن بوبكر، إمام المسجد العتيق بزاوية سيدي بوطيب، إن مسيرته في تحفيظ القرآن الكريم التي امتدت لأربعة عقود مكنت من تخريج زهاء 70 حاملا لكتاب الله تعالى ينحدرون من المنطقة، ومن كل جهات المملكة.
ويؤوي هذا الصرح، الذي يحتضن مقر الزاوية ومساجدها، أحفاد الولي الصالح ومريديه، وهو موقع عبادة ذو عمارة تعكس شظف البادية وحسنها وسكينتها.