عادل بن حمزة
عام 2018 تم تداول خبر وفاة الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب، لم تكن هذه أول مرة يتداول فيها هذا الخبر الكاذب لشاعر شغل الناس وملأ الدنيا طيلة عقود، بشعره القاسي الذي لم يستطع غيره أن يبلغ درجة توصيف ما عرفه وما يعرفه هذا “الجرح” الممتد على خريطة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث ظل مظفر النواب صاحب “في الرياح السيّئة يعتمد القلب”، شاعراً مزعجاً للأنظمة التسلطية، فاستطاع ببلاغة كبيرة و”ببذاءة” شاعرية، أن يسخر من النظام السياسي العربي، ويسقط عنه المعنى…
عائلة مظفر النواب أعلنت ساعتها زيف خبر الوفاة، وقالت في بيان وتصريحات للإعلام إن “النهر العراقيّ الثالث ما يزال بخير، وإنّ كحل العراق ما يزال بخير، وإن رائحة الخير ما يزال بخير.. وإن مظفّراً بخير وتمام العافية والحمد لله، فلْيفرح العراقيون ولْيفرح العراق العظيم، ولْيفرح الوطن العربي والعالم، لأنّ قلب النواب الذي اتّسع لهم، ما يزال يتّسع لهم ويتّسع لكل الكون وأكثر، فما تزال دقات قلبه لحناً عالمياً يغنّي للإنسانيّة ولكرامة الإنسان”، لكن هذا القلب توقف إلى الأبد يوم الجمعة الماضي.
مبدع “القدس عروس عروبتكم” هو من مواليد العراق، لعائلة بغدادية عرفت باهتمامها بقضايا الفن والأدب، اشتغلت بالتجارة ومارست السياسة. درس مظفر النواب في كلية الآداب بجامعة بغداد وعيّن مفتّشاً فنياً في وزارة التربية ببغداد إبّان الحكم الملكي. عام 1963 فر إلى إيران عبر البصرة، غير أن طهران أعادته إلى العراق حيث سيحكم عليه بالإعدام قبل أن يُخفف إلى المؤبّد، وفي السجن قام مع بعض رفاقه بحفر نفق إلى خارج السجن، وتمكن بعد ذلك بفترة من مغادرة بغداد، متنّقلاً في عواصم عربية عدّة قبل أن يستقر في دمشق حتى عام 2011، والتي غادرها إلى بغداد ومنها إلى الإمارات العربية المتحدة التي فارق الحياة بأحد مستشفياتها يوم الجمعة 20 أيار (مايو) الجاري.
اكتشفت مظفر النواب في نهاية المرحلة الثانوية وبداية سنوات الجامعة، بكل ما كانت الجامعة المغربية ترمز له في مخيلتنا وفي الواقع، فكانت أشرطة “الكاسيط” المبحوحة.. تأتينا بصوت مظفر النواب والثنائي الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم ومحمود درويش وسميح القاسم وفيروز ومارسيل خليفة وأحمد قعبور وسعيد المغربي وصلاح الطويل… لكن كانت لمظفر النواب في قراءاته الشعرية خصوصية لا تخطئها الأذن، وفي فترة لاحقة لم تخطئها العين، عندما تمكنا في سنوات متأخرة – بفضل ثورة التكنولوجيا – أن نشاهد ذلك الشاعر الكبير والاستثنائي، ونعرف هل تتطابق تلك الصورة التي رسمناها للشاعر النواب في مخيلتنا، مع الصورة التي نشاهدها على الحاسوب.
في سنة 2003 كنت في تدريب للصحافيين الشباب في دمشق من تنظيم الجامعة العربية واتحاد الإذاعات العربية واتحاد الشباب العربي، انتهت فترة التدريب، وقررت تمديد زيارتي لدمشق لأيام أخرى وكذلك رتبت زيارة لبيروت..، في تلك الفترة كان مظفر النواب مستقراً في دمشق، كان لنا بالصدفة صديق مشترك هو الفاضل عبد الهادي لحويج الذي كان أميناً عاماً لاتحاد الشباب العربي ومقيماً في دمشق وقد تحمّل في نهاية عهد العقيد القذافي مسؤولية وزارة الشباب والمهاجرين، كما تم تعيينه قبل سنتين من قبل برلمان طبرق وزيراً للخارجية، أخبرني عبد الهادي أنه سيرتب لي موعداً على العشاء مع الكبير مظفر النواب، كان خبراً سعيداً وشيئاً لا يُصدق، كيف يمكن أن ألتقي بذلك الكبير الذي سكن المخيلة لسنوات..، لكن للأسف تعذر اللقاء في آخر لحظة لظروف صحية كان يمر بها مظفر، فقررت الذهاب إلى بيروت، وطيلة الرحلة عبر سيارة أجرة من دمشق إلى بيروت، كانت خيبتي كبيرة أنني أضعت ذلك الموعد الذي لن يتكرر.