عاشت جهة درعة تافيلالت على امتداد ولايتين انتخابيتين دامت أزيد من عقد من الزمن، أو ما بات يعرف بين النخب السياسية بالمنطقة بالعشرية السوداء، داخل شرنقة من التجاذبات والصراعات السياسوية المجانية التي كان بطلها قياديا في حزب، جمع حوله حواريين، ومريدين، اعتقدوا أن ترؤسهم لجماعات ترابية وجهات، تشفع لهم في إعادة خلط الأوراق، وترتيبها بما يتوافق مع اختياراتهم، وقناعاتهم الأيديولوجية، وبراغماتيتهم وانتهازيتهم التي لا حدود لها.
ولعل تغولهم الانتخابي وطنيا وجهويا، مرده بالأساس إلى السياق العام الذي صاحب الخريف “العربي”، وتنامي المد الإسلاموي في مجموعة من الدول كمصر وتونس وليبيا وضعف النخب السياسية، وتآكل رصيدها السياسي، وركوبهم على الدين لدغدغة مشاعر المواطنين البسطاء، والاستعمال المكثف للطرق التي تشتم منها رائحة البترودولار، عبر أدرع دعوية واجتماعية، علاوة على الاستقالة الجماعية للنخب والأطر القادرة على إدارة دفة الدولة من العمل السياسي، نتيجة استشراء الفساد والمحسوبية والزبونية.
وهو ما انعكس بشكل بجلاء على المجال التنموي، حيث عاشت الجهة المستحدثة الفقيرة أحلك أيامها، جراء عنتريات رموز البيجيدي، ودخولهم في صراع مباشر وعلني مع الدولة، في شخص والي جهة درعة تافيلالت، وعامل إقليم الرشيدية السيد بوشعاب يحضيه الذي واجه طغيانهم، وجبروتهم، واستكبارهم بالتطبيق الصارم للقانون. كما أن نظافة يده، وتجربته الكبيرة التي راكمها في العمل الدبلوماسي، وحنكته وعلو كعبه في تدبير الشؤون الداخلية، وقراءته المتفحصة لواقع الجهة، ووطنيته الصادقة، أهلته للتصدي لكل الضغوطات التي مارسوها باسم الحزب الأغلبي، والذي بلغ به حد اللجوء إلى مقاضاة السيد الوالي عبر بوابة محاكم المملكة التي انتصرت لقراراته الإدارية، جاعلة كيدهم في نحرهم.
في ظل هذا الوضع المتأزم الذي عاشته الجهة، والذي كان عنوانه الأبرز هو هدر الزمن التنموي، وتضييع فرصة تقليص الفوارق المجالية على ساكنة الجهة الفقراء والمغلوبين على أمرهم، جاءت استحقاقات شتنبر 2021 التي عصفت بكل الذين كانوا يرون أن الجهة بقرة حلوب، بعد أن لفظهم الشعب، ورما به إلى مزبلة التاريخ، لتتنفس الجهة الصعداء مع نخب سياسية جديدة، تمتح من قاموس سياسي مغاير، وتتغيا في معظمها خدمة الصالح العام. وهو ما ثمنه السيد والي الجهة الذي وقف على المسافة نفسها بين الفرقاء السياسيين في الانتخابات، مجسدا الدور الحيادي الإيجابي للإدارة.
بيد أنه بعد تكوين مكاتب مختلف الجماعات الترابية، أطلق دينامية قوية، منكبا على تسريع وتيرة العمل التنموي، متدخلا باعتباره سلطة للرقابة في ترصيص الصفوف، وتقريب وجهات النظر، وإسداء النصح، والحضور الفعلي والوازن في مختلف الدورات والاجتماعات المنعقدة. علاوة على تدخله الشخصي مع مختلف الوزارات لتسهيل مأمورية المنتخبين، وتعبئة الموارد المالية، والبحث عن طرق تمويل المشاريع. ناهيك عن متابعته اليومية لكل التفاصيل الدقيقة المرتبطة بتفعيل برامج عمل الجماعات.
إن الكاريزما التي تسم شخص السيد بوشعابيحضيه، وثقله السياسي والإداري، يؤهله لتبوئ أعلى المراكز في سلم مسؤوليات الدولة، كما أن تبصره واستشرافه للمستقبل السياسي، يجعل منه شخصا مناسبا لحلحلة الأزمات المستعصية. ولولا قوة شخصيته، وقراراته الموفقة، لباتت جهة درعة تافيلالت تتخبط في حبال الأزمة نفسها، ولما خرجت من الدوامة السياسوية العدمية، إلى رحاب النضال التنموي الذي ستظهر ثماره بشكل واضح المعالم والقسمات في المستقبل القريب من الأيام، لتتصالح الساكنة مع نخبها السياسية، وتدخل رهان الكفاح التموي الشامل…