*ياز بريس
قال الدكتور مصطفى الكتيري المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير إن كتاب عزيز بودرة الموسوم ب: ” القضاء العرفي بالمغرب خلال عهد الحماية 1912-1956″ يخلص إلى أن الإدارة الاستعمارية الفرنسية قد فشلت في مشروعها الاستعماري البعيد المدى وخاصة في جانبه القانوني الذي كان يهدف إلى إحداث ما يمكن أن نشبهه في زمننا الحاضر بتلاعب جيني في الكيان المغربي، بالرغم من الإمكانيات التي رصدوها من أجل ترسيخه وضمان نجاحه.
وأضاف الكتيري في لقاء خصص لتقديم وتوقيع كتاب بودرة في رواق مندوبية المقاومين بالمعرض الدولي للنشر والكتاب يوم الأربعاء 8 يونيو 2022، أن الاستعمار تعامل بمكر وخبث في تنزيل منظومة قانونية عُرفت بالسياسة العرفية من أجل التفريق بين أبناء المغرب الواحد، وهي الحقيقة التي جعلت المؤرخ الناصري يقول : “سبحان الذي مزَّغ حاحا وعرّب دكالة”.
وأكد المندوب السامي للمقاومة وأعضاء جيش التحرير أن الدولة الاستعمارية “فرنسا” اتخذت من مكونات الهوية الوطنية لمستعمرتِها المغرب، المتميزة بالتعدّد والتنوع، وسيلة وآلية، من أجل تثبيت هيمنتها الاستعمارية وإحكام قبضتها الكولونيالية، عبر العمل على تشتيت وإحياء الصراعات العرقية والإيديولوجية التي من شأنها إشعال فتيل الانقسامات وضربِ وحدة الشعب التي أنجبت الأمبراطوريات التي سادت على الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط.
وأوضح الكتيري أن كتاب بودرة عالج ما سمي”بالإصلاحات القضائية الفرنسية بالمغرب” من خلال تحديد القانون المطبق في بلاد العرف، والتركيز على أهم الإصلاحات العرفية التي وضعتها سلطات الحماية إلى غاية سنة 1930م، اعتمادا على جل المراسم الوزارية التي صدرت في هذا الشأن والتي قامت بتحديد القبائل التي شملها ظهير 11 شتنبر 1914. وقد كانت هذه المهمة دقيقة جدا، حيث ظلت هذه الفترة التاريخية دون إصدار أي ظهير يخص تدبير الأعراف القبلية، إلى حدود صدور ظهير 15 يونيو 1922، الذي نص على إدخال التسجيل العقاري إلى المناطق الأمازيغية “البربرية”، وتعيين ضابط عسكري يسهر على تفويت العقارات للأشخاص الأجانب عن القبيلة.
كما تقف هذه الدراسة عند سنة مفصلية من تاريخ المغرب المعاصر وحدث فارق في مرحلة الكفاح الوطني من أجل الحرية و الاستقلال، ويتعلق الأمر بمحاولة فرنسا مأسسة القضاء العرفي بإصدار ظهير 16 ماي 1930م،الذي رامت من خلاله الإدارة الاستعمارية الفرنسية إلى منح الشرعية لـ “اجْماعات” القضائية التي أصبح يطلق عليها اسم المحاكم العرفية، وتحديد صلاحياتها التي شملت جميع القضايا، المَدَنِيَّة منها والتجارية، والأحوال الشخصية والإرث، باستثناء القضايا الجنائية؛ بالإضافة إلى القيام بإلحاق القضاء الجنائي العرفي بالقضاء الفرنسي بمقتضى المادة السادسة من ظهير 16 ماي 1930م، وهو ما شكل محاولة لفرنسة القضاء العرفي وتدجينه، وبيَّن حقيقة نوايا فرنسا تجاه هذا النموذج القضائي الذي طالما ادعت دفاعها عنه، احتراما للاجئين إليه من القبائل الأمازيغية، كما شكل اعتداء صارخا على اختصاصات السلطان بعدما أقرت معاهدة الحماية باحترام فرنسا لجميع سُلطه.
وفي هذا الباب، بسط الكتاب أهم ردود الأفعال التي أعقبت صدور ظهير 16 ماي 1930م الخاص بتنظيم العدالة في القبائل التي كانت تصنف من “ذات العوائد البربرية”، حيثواجهت فرنسا عقب صدور هذا الظهير متاعب كثيرة؛ سواء في تعاملها مع موقف السلطان المغربي الذي تراوح بين الرفض أحيانا والرضوخ للضغوطات أحيانا أخرى، أو في مواجهتها لاحتجاجات الطبقة المثقفة والنخب السياسية الناشئة بالمدن المغربية، والتي عملت على التنديدبالظهير بكل العالم الإسلامي سعيا لتدويل القضية المغربية، وفي هذا الصدد يقول “دانييل ريفيه” في كتابه “المغرب أمام امتحان الاستعمار”: “إن المغاربة تمسكوا بما لم يستطع الاستعمار أن ينتزعه منهم”، حيث اصطدم هذا المرسوم مع جيل بأكمله، ونهض هذا الجيل لمواجهته، واستغل هذه المواجهة لإيقاظ النزعة التحررية.
هذا الكتاب يتطرق أيضا إلى رد فعل فرنسا تجاه هذه الاحتجاجات سواء على مستوى المذكرات التي أصدرتها أو التدخلات التي قامت بها بهدف قمع المتظاهرين، أو من خلال مباشرتها لنقاشات تبين استعدادها التخلي عن الظهير. وهنا وقف الباحث عند مسألة مهمة غيّبتها معظم الدراسات السابقة، ويتعلق الأمر بحيثيات استبدال فرنسا لظهير 16 ماي 1930م، بظهير 08 أبريل 1934م، الذي تراجعت فيه فرنسا الاستعمارية عن كل ما تم رفضه خلال الاحتجاجات والمظاهرات المناهضة لظهير 16 ماي، حيث قدم قراءة في الظهير الجديد والاجراءات التي رافقت تطبيقه، كما تتبع سير المحاكم العرفية، والتغييرات التي طرأت على تنظيمها، واختصاصاتها، بعد سنة 1934م.