الرئيسيةثقافة وإعلامفائق الحكيم.. وداعا

فائق الحكيم.. وداعا

*عادل الزبيري

في مكتبه العامر دفئا، في الطابق الثاني، في فيلا في حي الشبانات، في منطقة يعقوب المنصور، في العاصمة المغربية، جمعتنا لقاءات وجلسات ومناظرات في رفقة من كؤوس من شاي أسود.

نسجنا معا كصديقين، بالرغم من فارق السن، مرارا وتكرارا؛ خيوط حديث عن مواضيع عن الشرق وعن الغرب؛ وعن الثقافات الشرق أوسطية.

تلك لعمري صور من ذكريات دافئة عن رجل خبر الحياة كثيرا، ويعرف قيمة مجالسيه، ولو صوروه سنا، لأنه رجل فراسة وفطنة.

الراحل الدكتور فائق الحكيم، يبقى مؤسسا لأول شركة إنتاج خاصة، قدمت منذ تسعينيات القرن العشرين، خدمات إنتاجية ميدانية لقنوات إخبارية عربية وعالمية في المغرب.

لم يرغب العراقي فائق الحكيم في مغادرة المغرب، بعد أن اكتشف الحياة في دول الخليج، وانتقل إلى ألمانيا في أوروبا، ومن بعدها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن الأقدار الربانية جعلته مستقرا بصفة نهائية في المملكة المغربية.

وقع الأكاديمي العراقي في هوى هذا البلد العربي الأمازيغي الإفريقي، المتواجد في الطرف الثاني من العالم العربي جغرافيا، فأنشأ شركة إنتاج، وقرر أن يمضي عمره في هذا الوطن الثاني.

روى لي الراحل فائق الحكيم قصصا من مسار حياته، هربا اضطراريا من عراق الرئيس السابق صدام حسين، ودراساته الجامعية، وإنتاجاته في عالم الرسوم المتحركة، لأن الرجل أول من نقل إلى اللغة العربية مسلسلا كرتونيا في كل العالم العربي.

حافظ على عادة شراء الجريدة الورقية، وتأخر في الانتقال إلى عالم الحاسوب، وكان يطيل التأمل من نوافذ مكتبه الزجاجية في أمواج المحيط الأطلسي عند انكسارها على صخور كورنيش الرباط.

بدأت علاقتي بالدكتور فائق الحكيم في العام 2002، لما كنت طالبا في السنة الثانية في المعهد العالي للإعلام والاتصال؛ اتصل بي، وطلب مني الحضور إلى مقر مؤسسته الإعلامية، من أجل اختبار قبلي مهني، للاشتغال مراسلا مع قناة عربية من العاصمة المغربية الرباط.

بالرغم من سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، إلا أن فائق الحكيم بقي مغربي الهوى والقلب والمسكن.

رغب فائق الحكيم في أن يعيش الحياة وفق منهجه الخاص، يقبل آراء الآخرين بروح رياضية، ولكنه في الغالب يتمسك برأيه، بعد أن خبر الدنيا طويلا، ويتمنون فن تدبير الاختلاف بالرغم من كل الظروف التي تتغير من حوله، مزج بين الذهنية الألمانية في إتقان العمل، وبين المقاربة الأمريكية في الحياة، وبين عادات المغاربة في يوميات الحياة.

تميز فائق الحكيم بصوت عربي عراقي جهوري، وسألته مرارا عن سبب عدم اشتغاله في الإذاعة، فكان يخبرني أنه فضل الوقوف وراء الكاميرا لتقديم أولى انتاجات العالم العربي تلفزيونيا منذ ستينيات القرن العشرين.

لم يكن فائق الحكيم يسمح لشعره إلا باللون الأسود، مهما تغيرت الظروف، مع حسن تنسيق الهندام، خصوصا في جولات يومية في الشوارع الكبرى في العاصمة الرباط، انطلاقا من حبه للتمشي.

وبعد صراع مع مرض مزمن، انتقل الدكتور فائق الحكيم إلى جوار ربه، بعد رحلة علاجية طويلة.

لا يمكن في حياة الإنسان عدم الكتابة عن الذين مروا من حياتنا، ومررنا بحياتهم، لأن التأثر والتأثير تداخل في مسارات الحياة.

أتمنى لك يا فائق الحكيم أن ترقد بسلام في قبرك في المكان الذي اخترته ووصيت به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

%d مدونون معجبون بهذه: