الرئيسيةسلايدبنعليلو: بعض الإدارات تتعامل مع الحق في المعلومة كاستثناء

بنعليلو: بعض الإدارات تتعامل مع الحق في المعلومة كاستثناء

في كلمة تقدم بها السيد محمد بنعليلو رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها في المؤتمر الإقليمي حول النزاهة العامة في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المنعقد بالرباط يوم الأربعاء 29 دجنبر 2025  ، معتبرا هذا القاء يأتي في زمن سياسي له أهميته، وعلى مسافة أيام معدودة من تقديم الهيئة لاستراتيجية عملها للسنوات الخمس المقبلة، ولخلاصات تقييمها لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد، مما يمنحه بعدا إضافيا، يجعل منه وقفة وطنية للتقييم الذاتي، وفرصة لمساءلة السياسات والنتائج، ولقراءة المسافة بين النصوص والممارسات، وبين الالتزامات والتطبيق، وبين الطموحات والواقع من زواياه ودلالاته المتعددة.

ودعا  رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها إلى اعتبار هذه المناسبة لحظة مساءلة مؤسساتية جماعية، نقارب فيها بشكل تشاركي ما سجلته منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بقدر من الإيجابية، ولكن أيضا بقدر أكبر من المسؤولية النقدية.

وأوضح أن تقرير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، أبان أن هناك مجهودا مبذولا في عدد من المجالات التي تهم منظومة النزاهة العمومية بمعدلات متفاوتة، غير أن النتائج ذاتها أكدت أن التحسن الكمي لا يوازيه بعد تحسن نوعي في الأداء الإداري، (ونظيف إليه) في الثقة العامة بالمؤسسات، مما يعني أن الانتقال من مرحلة النصوص إلى مرحلة الأثر الملموس ما زال يتطلب جهدا جماعيا مضاعفا. وتعبئة أكبر، وانخراطا أعمق من طرف مختلف الفاعلين العموميين.

وأكد أن المؤشرات أظهرت أن العديد من المعايير التنظيمية في الإطار الاستراتيجي مستوفاة، لكن دون أن تصل فيها مؤشرات التنفيذ العملي إلى المبتغى المأمول، وهو ما يبرز أن التحدي اليوم لم يعد في سن القوانين ولا في صياغة الاستراتيجيات، بل في ضمان فعاليتها العملية على أرض الواقع، وقدرتها على التأثير في سلوك المؤسسات والإدارات، وفي تملك مضامينها داخل المنظومة الإدارية العمومية. وقبل هذا وذاك في تلمس المواطن لآثارها.

وأشار إلى الضعف الحاصل في إعمال بعض الأطر القانونية التي تشكل ثغرة حقيقية تهدد شفافية القرار العمومي، وتجعله عرضة للتأثيرات غير المشروعة وتضارب المصالح، مما يكشف عن فجوة مقلقة بين المعايير والممارسة، وعن حاجة ملحة إلى تطوير آليات مراقبة فعالة، وإنفاذ صارم، وتشريع زجري متناسب مع خطورة هذه الأفعال، وملاءمة تشريعية مع مقتضيات الدستور.

الملاحظة نفسها تتكرر في ميدان الشفافية والحق في الحصول على المعلومات، حيث إنه في مقابل مستوى مهم من الملاءمة النصية، نجد انخفاضا واضحا فيه من حيث التطبيق العملي، مما يعني أن بناء ثقافة الشفافية ما زال في بداياته، وأن النصوص تحتاج إلى من يفعلها لا إلى من يزين بها ترسانته التشريعية. فلا تزال بعض الإدارات تتعامل مع الحق في المعلومة كاستثناء، ومع النشر الاستباقي كمبادرة تطوعية لا كواجب مؤسساتي. فضلا عن عدد من النواقص التي تحد من الأثر العملي لهذا القانون وتجعل تطبيقه بعيدا عن روحه الأصلية التي تقوم على إشاعة ثقافة الانفتاح والمساءلة.

وفي هذا الإطار لم تكتف الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، بالإشادة بالنتائج التي أفرزها تمرين تجميع مؤشرات النزاهة العامة الذي تباشره منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، بل تعتبر أن اللحظة الراهنة تفرض قدرا أكبر من النقد الذاتي ومن الجرأة في التشخيص والتوجيه. فالإصلاح كما لا يتجسد بالمزايدات، لا يتجسد بالرضا الذاتي، وإنما بالمراجعة المستمرة والالتزام العملي والإنصات للآخر. لذا فإننا ننظر إلى هذه النتائج باعتبارها مرآة لهيكلة المنظومة الوطنية، عبر مؤشرات، ومقارنات دولية، غير أن التعامل معها يجب أن يتم بعيدا عن الانطباعات الذاتية. لأن خارطة طريق الأداء المؤسساتي من ناحية الأثر تحتاج إلى مجهود أكبر متسم بالواقعية بما يضمن تكافؤ الفرص في صناعة القرار العمومي، وتعزيز الشراكة مع المجتمع المدني والمؤسسات الوطنية المستقلة لما يحققه ذلك من قدرة على تتبع الإصلاحات وتقييم وقعها على حياة المواطنين.

وأفاد السيد بنعليلو أن الدولة بمؤسساتها ملزمة بتفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة وتجريم كل مظاهرها، والمجتمع بكل مكوناته مدعو إلى رفضها وفضحها الانخراط في جهود مكافحتها. ولأن المغاربة يملكون من الرصيد المؤسساتي، ومن الطاقات الوطنية، ومن الإرادة السياسية المعبر عنها في أعلى مستوى ما يؤهل المغرب لأن يكون نموذجا إقليميا في ربط النزاهة بالتنمية، والشفافية بالثقة، والإصلاح بالمواطنة. ولن يتم ذلك إلا إذا امتلكت المؤسسات الشجاعة على الاعتراف بالثغرات والنواقص، وامتلاك الإرادة في تجاوزها، والمسؤولية في تحويل النتائج المحققة إلى التزام سياسي وتنفيذي حقيقي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *