مشروع قانون يُثير جدلاً دستورياً حول حدود الرأي والمسؤولية الرقمية

أثار مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، وخاصة مادته الجديدة 51 مكرّر، نقاشًا قانونيًا ودستوريًا واسعًا بعد أن نصّ على معاقبة كل من «ينشر أو يروّج إشاعات أو أخبارًا زائفة للتشكيك في نزاهة وشفافية الانتخابات» بعقوبة حبسية وغرامة مالية.
ويبرّر معدّو المشروع هذا التعديل برغبتهم في تحصين المسار الانتخابي ضد حملات التشكيك التي تُشنّ عبر المنصات الرقمية، في حين يرى منتقدون أن الصياغة قد تمسّ جوهر حرية التعبير والنقد السياسي المكفول دستورياً.
أولاً: من منظور الدستور المغربي
ينصّ الفصل 25 من الدستور على أن:“حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها.”
كما يؤكد الفصل 28 أن لكل شخص الحق في التعبير ونشر الأخبار والأفكار بحرية، مع احترام القانون.
غير أن هذا “الاحترام” لا ينبغي أن يتحول إلى تجريم للرأي أو العقاب على القناعة السياسية، بل يجب أن يُفهم في سياق ضبط النية الجنائية عند نشر أخبار كاذبة أو مغرضة تهدف إلى تضليل الرأي العام.
وبذلك، لا يمكن اعتبار الانتقادات السياسية أو الملاحظات حول سير العملية الانتخابية “تشكيكًا” إلا إذا ثَبُت القصد المتعمّد في الكذب أو التحريض.
ثانيًا: شروط القبول والتطبيق الدستوري
حتى يُقبل هذا المشروع قانونيًا ودستوريًا، يجب أن تتوافر فيه ثلاث ضمانات أساسية:
1. الوضوح والدقة: أن تُعرَّف بدقة مفاهيم “الإشاعة” و“الخبر الزائف” و“التشكيك”، لأن الغموض في النصوص الزجرية يتنافى مع مبدأ الشرعية الجنائية الوارد في الفصل 23 من الدستور.
2. القصد الجنائي (النية): لا عقوبة بدون نية ثابتة لنشر الكذب بقصد التأثير على الثقة العامة في الانتخابات، لأن النقد المشروع أو التقييم الموضوعي لا يُعد جريمة.
3. التناسب والرقابة القضائية: أن تكون العقوبات متناسبة مع الفعل المرتكب، وأن يخضع تطبيق النص حصريًا للسلطة القضائية، حماية لحقوق الدفاع وضمانًا للمحاكمة العادلة وفق الفصل 120 من الدستور.
ثالثًا: رقابة المحكمة الدستورية
طبقًا للفصل 132 من الدستور المغربي، كل قانون تنظيمي يُحال وجوبًا على المحكمة الدستورية قبل نشره في الجريدة الرسمية.
وقد أكدت هذه المحكمة في قرارها رقم 70/18 بتاريخ 6 غشت 2018 أن: “النصوص الزجرية يجب أن تكون واضحة ودقيقة وغير قابلة للتأويل الذي قد يؤدي إلى تعسف في التطبيق.”
استنادًا إلى هذا المبدأ، يُتوقّع أن تقوم المحكمة بفحص المادة 51 مكرّر بدقة للتأكد من أنها لا تُستخدم كأداة لتقييد حرية التعبير أو معاقبة الانتقاد السياسي.
رابعًا: الضمانات المواكبة
لتحقيق التوازن بين حماية نزاهة الانتخابات وصون الحريات العامة، يُستحسن أن تُرفق المادة بتدابير داعمة مثل:
- تفعيل الحق في الحصول على المعلومة الانتخابية وتوضيح النتائج بشفافية؛
- إنشاء مرصد رسمي لمواجهة الأخبار الكاذبة بدلًا من الاقتصار على المتابعة القضائية؛
- تعزيز التربية الإعلامية والرقمية لدى المواطنين.
خامسًا: نحو تعديل متوازن
حتى لا تُفهم المادة 51 مكرّر على أنها أداة زجرية ضد الرأي، يمكن تعديلها لتصبح أكثر انسجامًا مع الدستور عبر الصياغة التالية المقترحة: “يُعاقب كل من نشر عمدًا، وبسوء نية، أخبارًا كاذبة ومفبركة تتعلق بالعملية الانتخابية، إذا كان الهدف منها التأثير غير المشروع على نزاهتها أو التشكيك في نتائجها، وذلك دون المساس بحرية التعبير والنقد المضمونين دستورياً.”
بهذا الشكل، يتحقق التوازن بين حماية نزاهة الانتخابات وضمان حرية التعبير، مع احترام مبدأ الشرعية الجنائية وتفادي الغموض التشريعي.
خلاصة
إن الثقة في الانتخابات لا تُبنى بالخوف من العقوبة، بل بالمصداقية والشفافية والمعلومة الصحيحة.
فمكافحة الإشاعات واجبة، لكن تجريم الرأي خطر، والمجتمع الديمقراطي القوي هو الذي يواجه الشائعات بالحجة والبيان لا بالسجن والغرامة.
وفي النهاية، تبقى المحكمة الدستورية الضامن الأعلى لتوازن النصوص القانونية مع روح الدستور الذي جعل من الحرية أساس الديمقراطية وثقة المواطن عماد الشرعية.

