
من النيف إلى تازارين… الهامش الذي ينتظر الإنصاف
تُعد جهة درعة-تافيلالت واحدة من أكثر الجهات المغربية التي تختزل معضلة التفاوت المجالي في المغرب. فعلى الرغم من تعدد الخطط والبرامج الحكومية منذ انتخابات 2021، ما تزال العديد من مناطق الجهة، خصوصًا النيف وتازارين، تعيش تحت وطأة التهميش التنموي وضعف البنيات التحتية وندرة فرص الشغل.
ضعف الميزانية وغياب المشاريع المهيكلة
بحسب مشروع قانون المالية لسنة 2026، لم تتجاوز حصة جهة درعة-تافيلالت من مجموع الاستثمارات العمومية الوطنية 6.2%، وهي نسبة محدودة لا تعكس حجم الحاجيات التنموية والاجتماعية للمنطقة.
فعلى المستوى المحلي، سجلت قيادة النيف وتازارين بطءًا ملحوظًا في إنجاز المشاريع المبرمجة منذ سنة 2021، حيث لم تتعدَّ نسبة الإنجاز الفعلية 40%، بينما ظل جزء من الاعتمادات المرصودة دون صرف بسبب ضعف التنسيق المؤسساتي وتشتت مصادر التمويل.
المشاريع المنجزة اقتصرت في معظمها على إصلاح الطرقات الثانوية أو تزويد بعض الدواوير بالماء الصالح للشرب، في حين بقيت الملفات الحيوية مثل الصحة والتعليم والتشغيل في دائرة الوعود المؤجلة.
العدالة المجالية بين النص الدستوري والتطبيق العملي
ينص الفصل 31 من الدستور المغربي على حق المواطن في الولوج إلى الخدمات الأساسية، ويلزم الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية بتعبئة الوسائل الكفيلة بضمان هذا الحق.
كما أكد الملك محمد السادس في خطبه المتتالية على أن “العدالة المجالية ليست شعارًا سياسيًا، بل ركيزة أساسية لبناء الدولة الاجتماعية الجديدة”، داعيًا إلى جعل التنمية شاملة ومتوازنة تشمل كل الجهات دون تمييز.
ورغم هذه التوجيهات السامية، فإن الواقع في جهة درعة-تافيلالت يعكس استمرار فجوة كبيرة بين النص والممارسة، ما يستدعي مراجعة شاملة لآليات التخطيط الترابي، وتقييمًا موضوعيًا لمدى نجاعة السياسات العمومية في تحقيق العدالة المجالية.
الحاجة إلى رؤية جديدة للحكامة الترابية
إن النيف وتازارين ليستا استثناءً داخل الجهة، بل تعكسان نموذجًا مصغرًا لهوامش المغرب العميق التي تنتظر إنصافًا حقيقيًا.
فالتنمية لا يمكن أن تتحقق دون مقاربة مندمجة تشاركية تنطلق من حاجات المواطنين، وتربط بين التخطيط والتمويل والمحاسبة.
كما أن ضعف الحكامة الجهوية وغياب رؤية استراتيجية متكاملة جعلا الجهة تراوح مكانها، رغم مؤهلاتها الطبيعية والبشرية الغنية التي تؤهلها لأن تكون قطبًا للنمو القروي والسياحي.
توصيات لتصحيح المسار
من أجل تجاوز هذه الوضعية وتحقيق العدالة المجالية الفعلية في جهة درعة-تافيلالت، يمكن اقتراح ما يلي:
1. إعادة هيكلة أولويات الميزانية الجهوية لضمان توزيع عادل بين الأقاليم والمناطق القروية.
2. إحداث وكالة جهوية للتنمية الترابية تُعنى بتنسيق البرامج والمشاريع، وتتابع التنفيذ وفق مؤشرات قابلة للقياس.
3. تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة من خلال تقييم دوري لأداء الجماعات المحلية والمجالس الجهوية.
4. تحفيز الاستثمار المحلي والخاص عبر تبسيط المساطر، خصوصًا في قطاعات السياحة البيئية والفلاحة المستدامة.
5. إشراك الساكنة والمجتمع المدني في بلورة التصورات التنموية، بما ينسجم مع روح الدستور الجديد والنموذج التنموي.
نحو عدالة تنموية تُنصف الهامش
إن إنصاف النيف وتازارين لا يعني فقط تحسين مؤشرات التنمية، بل استعادة الثقة بين الدولة والمواطن، وترجمة التوجهات الملكية إلى واقع ملموس.
فجهة درعة-تافيلالت، بما تحمله من تاريخ ومؤهلات بشرية، تستحق أن تكون نموذجًا للعدالة المجالية، لا عنوانًا لتكرار الإقصاء والتفاوتات.
إعداد: سَلّام سيدي محمد

