الرئيسيةقلم حرالمغرب بين التاريخ واليقين الوطني: قراءة في الشرعية القانونية والسياسية لقضية الصحراء المغربية

المغرب بين التاريخ واليقين الوطني: قراءة في الشرعية القانونية والسياسية لقضية الصحراء المغربية

إعداد: سلام سيدي محمدباحث حرّ في القضايا الوطنية والجيوسياسية
إعداد: سلام سيدي محمد باحث حرّ في القضايا الوطنية والجيوسياسية

🔷 مقدمة

منذ المسيرة الخضراء المظفرة سنة 1975، لم يتعامل المغرب مع الصحراء كقضية حدودية فحسب، بل كجزء من كيانه التاريخي والروحي الممتد عبر قرون. فالمملكة المغربية دولة عريقة في التاريخ، سبقت الاستعمار وجودًا وتنظيمًا، وظلت تمارس سيادتها على كامل ترابها من الشمال إلى أقصى الجنوب عبر نظام البيعة، الذي يجسد رابطة سياسية ودينية بين العرش والشعب.

وقد حاولت القوى الاستعمارية عند تقسيم شمال إفريقيا أن تُفكك وحدة المغرب، فاقتطعت أجزاء من أراضيه وضمتها إلى الجزائر، إدراكًا منها أن المغرب ليس كغيره من المستعمرات، بل دولة ذات شرعية راسخة وذاكرة تاريخية متجدرة في وجدان الأمة.

🔷 الجذور التاريخية والسياسية للنزاع

إن الصحراء لم تكن يومًا أرضًا بلا سيادة، بل كانت جزءًا من المجال المغربي، كما تؤكد الوثائق التاريخية والمراجع الأجنبية والمغربية على السواء.
فقد بايعت قبائل الصحراء السلاطين المغاربة، وأسهمت في الدفاع عن حدود الوطن وتمويل الجهاد ضد الغزو الأجنبي، كما تشهد بذلك وثائق الأرشيفين الفرنسي والإسباني.

واسترجع المغرب بعد الاستقلال أراضيه تدريجيًا: طنجة سنة 1956، طرفاية سنة 1958، سيدي إفني سنة 1969، وسيدي إغني بعد مفاوضات دبلوماسية طويلة. وكانت المسيرة الخضراء تتويجًا لمسار نضال سلمي جمع بين الحكمة الملكية والإجماع الشعبي.

🔷 من ثورات الضباط إلى افتعال النزاع

تزامن ظهور ما يسمى بـ”جبهة البوليساريو” مع مرحلة ثورات الضباط في العالم العربي، التي تميّزت بانقلابات عسكرية اتخذت شعارات قومية لتبرير شرعيتها.
في هذا السياق، سعت الجزائر ومعها ليبيا القذافي إلى افتعال نزاع إقليمي يُضعف المغرب ويمنحها شرعية زعامة ثورية.
فتمّ احتضان الجبهة الانفصالية في تندوف، بدعم مالي وعسكري، في خضم الحرب الباردة، لتصبح أداة في صراع إيديولوجي إقليمي ودولي.

غير أن ما بُني على الأوهام لا يصمد أمام منطق التاريخ، إذ تبيّن لاحقًا أن هذه الحركة استثنائية في العالم: “جبهة” على أرض دولة أخرى، تحتجز ساكنة لاجئين، وتمنعهم من العودة إلى وطنهم الأم.

🔷 يقين المغرب بشرعيته التاريخية والدينية

لم يتزعزع يقين المغرب في قضيته، لأنه يستمد مشروعيته من التاريخ، ومن البيعة الشرعية التي تربط القبائل الصحراوية بالعرش العلوي.
هذا اليقين، المتجذر في وعي المغاربة، جعل الدولة تختار البناء بدل الصراع، والإقناع بدل المواجهة.
فمنذ البداية، كان المغرب مدركًا أن خصومه يملكون البترول والغاز وشراء المواقف، لكنه يملك ما لا يُشترى: الشرعية التاريخية والوحدة الوطنية.

🔷 من الدفاع إلى التنمية والبناء

في مطلع الألفية الثالثة، انتقل المغرب من مرحلة الدفاع السياسي إلى مرحلة البناء التنموي الشامل.
فتم إطلاق مشاريع استراتيجية غير مسبوقة:

  • الطريق السريع تزنيت – الداخلة (1055 كلم)؛
  • ميناء الداخلة الأطلسي كمحور تجاري إفريقي؛
  • محطات الطاقة الريحية والشمسية في العيون وبوجدور؛
  • تحلية مياه البحر لتأمين الأمن المائي والزراعي؛
  • إنشاء مناطق لوجستيكية وصناعية متطورة؛
  • أنبوب الغاز نيجيريا – المغرب الذي يعبر 13 دولة إفريقية؛
  • افتتاح أكثر من 30 قنصلية إفريقية في العيون والداخلة.

بهذه المشاريع، لم يعد المغرب يُدافع عن الصحراء، بل جعلها جسرًا نحو إفريقيا وفضاءً للاندماج القاري.

🔷 مأزق الجزائر وصناعة القنبلة الموقوتة

بينما انشغل المغرب بالبناء، غرقت الجزائر في صراعات داخلية وأزمات اقتصادية خانقة.
فالنظام الذي أراد تصدير “الثورة” وجد نفسه أمام ارتدادٍ سياسي وأمني، حيث تحولت منطقة الساحل إلى بؤرة للإرهاب والجريمة العابرة للحدود.
لقد خلقت الجزائر في تندوف كيانًا هشًا، فوجدت نفسها اليوم تخاف منه، بعد أن أصبح مصدر تهديد لحدودها واستقرارها.

🔷 التلاحم الوطني: سرّ القوة المغربية

المغاربة مقتنعون أن دفاعهم عن الصحراء ليس دفاعًا عن تراب فقط، بل عن كرامة وهوية.
فبين القيادة الملكية والشعب المغربي عهدٌ متجدد تجسد في المسيرة الخضراء، وفي استمرارية المشروع التنموي إلى اليوم.
ذلك التلاحم جعل المغرب يتعامل بثقة وهدوء، دون انفعال أو تبعية، لأنه يعرف أن الزمن والتاريخ في صفه.

🔷 الملحق التوثيقي: خريطة المشاريع الكبرى

المشروع الموقع الأهمية

  • الطريق السريع تزنيت–الداخلة الجنوب المغربي ربط الشمال بالجنوب
  • ميناء الداخلة الأطلسي الداخلة مركز تجاري إفريقي
  • محطات الطاقة الريحية العيون وبوجدور استقلال طاقي نظيف
  • تحلية مياه البحر الداخلة الأمن المائي والزراعة
  • أنبوب الغاز نيجيريا–المغرب يربط 13 دولة تكامل إفريقي
  • القنصليات الإفريقية العيون والداخلة اعتراف سياسي واقعي

🔷 خاتمة

لقد أثبت المغرب، عبر تاريخه الطويل، أنه دولة حضارية ذات سيادة متجذرة.
فمنذ المسيرة الخضراء إلى المشاريع الإفريقية الكبرى، كان يتحرك بثقة ورؤية، مستندًا إلى شرعية تاريخية ودينية وقانونية لا تشوبها شبهة.
أما أولئك الذين أرادوا خلق “مشكلة للمغرب”، فقد وجدوا أنفسهم في مأزقٍ سياسي وأمني، بعدما تحولت مؤامرتهم إلى قنبلة موقوتة داخل حدودهم.

إن المغرب اليوم لا يدافع عن الصحراء، بل يبنيها ويُعمرها، لأنه على يقينٍ أنه في أرضه، وأن الحق يُبنى كما تُبنى الأوطان.

المراجع

1. وثائق الأرشيف الوطني المغربي حول المسيرة الخضراء.

2. خطب الملك الحسن الثاني ومحمد السادس (1975–2024).

3. تقارير الأمم المتحدة ومجلس الأمن بشأن الصحراء.

4. عبد الهادي التازي – تاريخ العلاقات المغربية الإفريقية.

5. أحمد التوفيق – البيعة والشرعية في التاريخ المغربي.

6. تقارير وزارة التجهيز والطاقة المغربية (2020–2024).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *