- مصطفى ملو
يعتقد الكثيرون أن موضوع الإفطار العلني وحتى السري في رمضان وليد اليوم، ومرد هذا الاعتقاد إلى الصراعات الإيديولوجية بين “المعسكر الديني المحافظ” من جهة و”الحلف العلماني الحداثي” من جهة أخرى، كما يظن البعض أن سبب إثارته أملاه تصاعد الموجة الحقوقية الحديثة وما رافقه من تناسل الجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان والحريات الفردية بما فيها حرية الإفطار في رمضان.
غير أن الحقيقة عكس ذلك تماما، فبالتوغل في عمق الثقافة الأمازيغية، وخاصة في منطقة الجنوب الشرقي المغربي، نكتشف أن “قضية إفطار رمضان” ضاربة في القدم، إلى درجة أوصلت تجريمها إلى الأسطورية ونسج “الخرافات” من خلال “أسطورة طيط صضيص”.
تقول هذه الأسطورة المنتشرة في أوساط قبائل الجنوب الشرقي المغربي (وربما في مناطق أخرى من المغرب)، إن النجمات الست التي تظهر ليلا على شكل عنقود نجمي كانت أخوات عذراوات، استقر رأيهن ذات يوم من أيام رمضان على الإفطار نهارا “غير جهار”، وكي يتسترن على جريمتهن تلك، فقد دخلن إلى إحدى الغرف وغلقن الباب والنوافذ حتى يسود الظلام، معتقدات ألا أحد كان يراهن أو يراقبهن، وانتقاما منهن ومن فعلتهن المشينة مسخهن الله نجمات ليكن عبرة لمن يتجرأ على الإفطار في نهار رمضان ولو خفية!
ولأن الصوم لم يرتبط بظهور الإسلام ولا بشهر رمضان تحديدا كما هو معلوم، بل عرفته ديانات وحضارات قديمة، فإنه من المرجح أن يكون تاريخ هذه الأسطورة أقدم بكثير من تاريخ وصول الإسلام إلى هذه المناطق، بل أقدم من تاريخ الإسلام نفسه، إذ من غير المستبعد أن تكون متداولة عند أمازيغ ما قبل الإسلام؛ إلا أنها مع مجيئه أصبحت ترتبط في أذهان المؤمنين بها بإفطار رمضان، أي بالإسلام وبالله وليس بإله آخر.
وللعلم فإن “طيط صضيص”Tit Sdis بالأمازيغية تقابلها بالعربية “الثريا”، وهي عبارة عن عنقود نجمي سمي بذلك الاسم نسبة إلى الرقم 6 المعروف في الأمازيغية بصضيص؛ إذ يعتقد بعضهم أن هذا العنقود مكون من ست نجمات، بينما يقول آخرون إنها سبع أو أكثر.
الغريب في هذه الأسطورة أن الفلكي الفرنسي شارل سمييه سماها هو الآخر في فهرسه الذي خصصه للمذنبات والنجوم بـ”الشقيقات السبع” استنادا على ما يبدو إلى المثيولوجيا الإغريقية!
نسجت مجموعة من الأساطير حول الثريا في حضارات وشعوب مختلفة كالإغريق والصينيين والأمازيغ والأتراك والهنود والعرب…
والمفارقة العجيبة الثانية التي صادفناها أثناء بحثنا في هذه الأسطورة الأمازيغية أنها في شق منها قريبة جدا مما كان متداولا عند الإغريق وحضارات الأمريكيتين كما سنرى لاحقا. ففي الأساطير الإغريقية نجد أن الثريا عبارة عن سبع أخوات، وبعد لقاء مع الجبار Orion أو الصياد الشهواني أصبح يلاحقهن هن ووالدتهن دائماً عبر السماء، ومن باب الرحمة بهن وسعيا إلى حل مشكلتهن قام الإله زيوس(أب الآلهة) بعد رجاء من أرتميس(إلهة الصيد وحامية الأطفال) بتحويلهن إلى سرب من الحمام فتمكن من الهرب منه والطيران إلى السماء.
وفي الحضارة الإغريقية دائما، تجدر الإشارة إلى أن العديد من المقالات التي تناولت موضوع الثريا ذكرت أن هوميروس أشار إليها في الأوديسا كما جاء ذكرها أكثر من مرة في الإنجيل.
إن الفرق بين النسخة الإغريقية لأسطورة الثريا ونظيرتها الأمازيغية حسب ما تقدم، أن العذروات في الأولى ضحايا لمجرم اسمه الجبار، أما في الثانية فهن المتهمات بارتكاب جرم الإفطار.
أما العرب فكانوا يُسمون الثريا بهذا الاسم لأنهم كانوا يَتبركّون بها وبشروقها ويقولون إن المطر الذي يحدث في أثناء شروقها أو غروبها يَجلب الثروة، فسميت نسبة لها.
وللسكان القدامى للأمريكيتين أيضا أساطيرهم حول الثريا، فبعضهم يعتقد أنها كانت سبع عذراوات طرن إلى السماء بواسطة الروح العظيمة لإنقاذهن من دببة عملاقة.
هذه الأسطورة التي مازالت متداولة إلى يومنا هذا تطرح معها مجموعة من الأسئلة على سبيل المزاح، من قبيل؛ ماذا لو تتحقق في يومنا هذا؟ كم من “وكالي ووكالات رمضان” سواء علنا أو سرا في المراحيض ووراء الأبواب المغلقة سيمسخون نجوما؟
وعلى سبيل الجد هذه المرة تطرح هذه الأسطورة سؤالا جوهريا ومحيرا في الآن نفسه وهو؛ هل هذا التشابه الكبير بين ثقافات مختلفة في التسمية وفي الأسطورة المتداولة حول هذه النجوم يعني أن لهذه الأسطورة أصلا مشتركا أم أن الأمر مجرد صدفة؟
مهما يكن من أمر، فمن حسن حظ العذراوات “الآكلات” لرمضان أنهن مسخن “مسخا إيجابيا” إلى نجمات وليس إلى قردة، وهذا ربما يلهم ويشجع “وكالين رمضان” على التمادي في “جريمتهم” لأن أعز ما يطلب عندهم أن يتحولوا إلى نجوم ترفع إلى السماء خير لهم من الوقوع بيد “شرطة الأخلاق” من مجتمعهم وأهلهم المحافظين الذين لوسمعوهم يمضغون الطعام خفية في ركن من الأركان للفظوهم لفظا!