حضرتُ بكثير من الغبطة ملتقى ابن بطوطة الدولي للتسامح والتقارب بين الشعوب، الذي جاء في نسخته الثانية تحت شعار “الثقافة في خدمة التنمية المستدامة”، واحتضنته قاعة “طنجيس” بقصر الفنون والثقافة بمدينة طنجة؛ حيث الفتنة والسحر والجمال.
سبعة قرون مضت على انطلاق “أمير الرحّالة” كما وصفته جامعة كامبردج، الذي مخرت سفينته برزخ الأطلسي والمتوسط، لتجوب العالم الإسلامي المتحد ثقافياً كمظلة حضارية واحدة آنذاك. سافر الطنجي دون حواجز أو عوائق أو حدود، لم يسأله أحد عن هويته، أو عن وجهته ولم يطلب منه أن يبرز جواز سفر أو تأشيرة دخول أو عبور!!..
وللملتقى رمزية أخرى لا تقل أهمية عن مكانة صاحب الرحلات العجائبية الذي ترك لنا تراثاً قيماً بكتابه المدهش “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار”، كون الملتقى يتكئ على مؤسستين طنجاويتين عريقتين، الأولى شركة التهيئة من أجل إعادة توظيف ميناء طنجة المدينة، والثانية مؤسسة المفكر والمؤرخ المغربي عبد الهادي التازي، وما طنجة إلا فكر وثقافة وعراقة وميناء.
سعى الملتقى إلى ترسيخ قيم التسامح والتعايش والتقارب بين الشعوب، باعتبارها ذات القيم التي شكلت روح كتابات الرحلات التي دونها ابن بطوطة، وهي التي قادته من طنجة إلى الصين، لتشكل تجربته مكانة متفردة في المخيال العربي والإسلامي، بل والعالمي، فكانت رحلاته بمثابة مادة علمية في الجغرافيا والثقافة والأنثروبولوجيا والفكر والفن.
ولعل أجمل ما تفرد به الملتقى، أنه استمد من روح وتجربة ابن بطوطة ومكانة طنجة كوجهة جذب سياحي في المغرب، عناصر تكامل السياحة والاقتصاد والمجتمع والتاريخ والثقافة، برز ذلك خلال ما قدمه متحدثون واختصاصيون من عروض متميزة، تمحورت حول اقتصاد المعرفة، وقضايا الاستثمار والاقتصاد الثقافي، وثنائيتي السفر والسياحة، وشذرات من تاريخ العملات والنقود التي عاصرها ابن بطوطة.
لمدينة طنجة وساكنيها مني سلام، ولروح ابن بطوطة السكينة والخلود.