تشكل انتخابات 8 شتنبر الجاري فرصة للأحزاب السياسية المشاركة، والبالغ عددها 31 حزبا، لاستعراض برامجها وتجاربها السياسية للترويج لمرشحيها. وفي هذا الصدد، بذل المجتمع الحزبي المغربي جهودا في التجديد عبر اعتماد وسائل إعلام من “العهد الجديد” في صياغة برامج انتخابية تتميز ببصمة اجتماعية قوية.
وكانت جميع الأحزاب كشفت عن برامجها الانتخابية إعلاميا حتى قبل فترة بدء الحملة الانتخابية، والتي من المفترض أن تثير اهتمام الناخبين، وقبل كل شيء تشجع المترددين في التصويت. ويتعلق الأمر ببرامج تولي أهمية للمكون الاجتماعي، وتقترح تحسين مستوى عيش المواطن المغربي.
وإذا كانت البرامج الانتخابية متشابهة بشكل عام، فإن الحقيقة تبقى أن بعض الأحزاب تسعى إلى التميز عن غيرها من خلال إعطاء نفس جديد للحملة الانتخابية. والهدف من ذلك هو إثارة حماس المواطنين، وخاصة أولئك الذين يلقون اللوم على الأحزاب السياسية التي يعتبرونها تهتم بالمواطنين فقط في وقت الاقتراع وتقدم وعودا غالبا ما يكون مصيرها النسيان. ولعل أكبر هم للأحزاب هو استقطاب الناخبين، وخاصة الشباب، المجهول الأكبر في هذه المعادلة الانتخابية. بل إن مشاركة هذه الفئة من عدمها أمر من شأنه أن يحسم أي انتخابات محلية أو وطنية. وذلك راجع بالأساس إلى أن هذه الفئة عريضة وأيضا بسبب حقيقة أن تعبئتهم ليست مضمونة دائما. وفي الواقع، فإنه يظل من الصعب على الأحزاب السياسية استقطاب هؤلاء الناخبين الشباب، لاسيما أن فئة كبيرة منهم يعتبرون النضال الحزبي فكرة أكل عليها الدهر وشرب. ولاستقطاب الناخبين وجذب اهتمام الإعلام، تحاول بعض الأحزاب، من خلال برامجها، إظهار تفرد معين يمكن أن يشكل وسيلة تسويقية قوية لإقناع الناخبين وحملهم على التصويت لها يوم الاقتراع. كما تفخر بعض الأحزاب السياسية بتنفيذ ما يسمى بالبرنامج “التشاركي”، وهو نتاج اقتراحات وتوقعات المواطنين خلال الاجتماعات والمناقشات التي تنظم في جميع أنحاء البلاد. من جهة أخرى، وحتى لو كانت برامج الأحزاب المتنافسة مدهشة بشكل عام من خلال تشابهها بخصوص المقترحات أو الوعود إن صح القول، باستثناء بعضها في بعض الأحيان، تظل الحقيقة أن البرنامج الانتخابي يبقى ضروريا لكل من المرشحين وأيضا للمحللين السياسيين المتخصصين في الانتخابات. ومن بين البرامج المعلنة للأحزاب المتنافسة في الانتخابات الشاملة المقرر إجراءها في 8 شتنبر، نذكر بأربعة أحزاب. أربعة برامج، وآلاف الاقتراحات والوعود، وطموحات مختلفة، في سياق مختلف وغير مسبوق يهيمن عليه تفشي وباء كوفيد -19. بالنسبة للبعض. ويمثل هذا الاقتراع بالنسبة للبعض فرصة لتعزيز مواقعها والحفاظ على مكتسباتها، فيما يمثل، بالنسبة للآخرين، تحديا حقيقيا لإثارة اهتمام الناخبين لتعويض الإخفاقات في الانتخابات الماضية.
يتعلق الأمر، في هذا السياق، بحزب الأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال، وحزب العدالة والتنمية، والتجمع الوطني للأحرار. وبالنسبة لهذه الأحزاب الأربعة، ذات مسارات متعارضة والتي تتوفر على قاعدة انتخابية وتأثير في المجتمع متفاوتين، فإن انتخابات 2021 ليست ولن تكون بالتأكيد مثل سابقاتها، لأنها تأتي في سياق اتسم بتحديات فرضتها الجائحة.
وبالفعل، فإن الوباء، الذي لا يزال شبحه يخيم على البلاد والعالم، كانت له عواقب غير مسبوقة على المجتمع والاقتصاد الوطني. وحظي هذا الوضع الجديد باهتمام كبير من قبل الأحزاب السياسية المتنافسة، حيث ركزت أغلبها على إجراءات الخروج من الأزمة والحد من تأثير الوباء وعواقبه الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة.
وفيما يتعلق بحزب الأصالة والمعاصرة، يصر برنامجه الانتخابي، في الجانب الاجتماعي، على تسعة التزامات تتعلق، من بين أمور أخرى، بتوفير الرعاية الصحية للمواطنين وتحسين الخدمات، وتوفير سكن لائق يحفظ كرامة المواطنين، لاسيما المسنين، والرفع من القدرة الشرائية للمواطنين وأيضا خفض أسعار الوقود. ويطمح حزب الجرار، فيما يتعلق بالصحة، باعتباره قطاعا أساسيا في المجال الاجتماعي، بالاستعانة بخدمات القطاع الخاص من أجل تكييف العرض مع الطلب وتحسين الاستثمار العام في قطاع الصحة، وإنشاء إجراءات تمكن من عدم الاضطرار إلى الدفع المسبق للحصول على خدمات الرعاية الصحية التي يغطيها التأمين الإجباري عن المرض أو لصالح حاملي بطاقة راميد وذلك من أجل الوصول إلى خدمات القطاع الخاص.
أما حزب الاستقلال، وهو أقدم حزب مغربي نشط منذ عام 1943، فيتعهد بإنصاف الطبقات الوسطى والشعبية، وتسريع النمو وتقليص البطالة، حيث قام يإعداد برنامجه الانتخابي على أساس نهج تشاركي، من خلال سلسلة من الاجتماعات التشاورية وجلسات الاستماع.
ويتضمن برنامجه الانتخابي 157 تدبيرا و8 مواثيق و4 أوراش لأجرأة الإنصاف على أرض الواقع ومواطنة كاملة لجميع المغاربة. ويحمل البرنامج شعار “الإنصاف الآن”، وتم إعداده باعتماد البعد التشاركي من خلال عقد لقاءات تشاورية، وفقا لما أعلن عنه أمين عام الحزب السيد نزار بركة خلال لقاء صحافي لتقديم البرنامج الانتخابي لحزبه.
وحسب هذا البرنامج، يعتزم حزب الاستقلال الرفع من وتيرة النمو إلى حوالي 4 في المائة، وتقليص نسبة البطالة إلى أقل من 9 في المائة وطنيا وبطالة الشباب إلى أقل من 20 في المائة مع رفع نسب نشاط النساء إلى أزيد من 30 في المائة عوض 20 في المائة حاليا.
ويلتزم الحزب، من خلال برنامجه الانتخابي، على الخصوص، بتوفير فرصة للتشغيل أو التكوين أو المواكبة للشباب من أجل إنشاء مشروع منتج ومدر للدخل، وتفعيل الحماية الاجتماعية الشاملة مع مجانية العلاج للنساء أثناء فترة الحمل وللأطفال والمسنين وذوي الإعاقة والتغطية الشاملة لكل الأمراض المزمنة، و” إخراج مليون أسرة من الفقر والهشاشة على أساس مواكبة 200 ألف أسرة سنويا “.
ويتعهد حزب الاستقلال بحماية وتوسيع الطبقة الوسطى مع رفع قدرتها الشرائية بأكثر من 20 في المئة وتوفير الشروط الاقتصادية والاجتماعية لبروز الجيل الجديد للطبقة الوسطى في العالم القروي، وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية إلى أقل من 39 في المائة عوض 46،4 حسب مؤشر جيني.
من جهته، فإن البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية للانتخابات التشريعية يترجم في أزيد من 400 إجراء، متضمنة في خمسة محاور رئيسية تتمثل في تعزيز الموقف السياسي والاستراتيجي للمغرب في محيطه الإقليمية والدولي، وترسيخ المناخ الديمقراطي والسياسي والحقوقي، وتعزيز كرامة المواطن وتثمين الرأسمال البشري، وبدء جيل جديد من الإصلاحات من أجل العدالة الاجتماعية والمجالية الشاملة والتقليص من الفوارق، والانتقال إلى مصادر جديدة للنمو وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني.
وبالنسبة للشغل، حدد “حزب المصباح” هدف إحداث 160 ألف منصب شغل في السنة ومعدل بطالة أقل من 9 في المائة. وفي هذا الصدد، كان الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، سعد الدين العثماني، أكد أن هذا البرنامج الانتخابي يتضمن أهدافا مرقمة وواقعية. وأوضح السيد العثماني، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن ” برنامج الحزب يشتمل على عدد من المقتضيات والإصلاحات على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والتدبيري، بأهداف مرقمة ولكن بواقعية “.
من جانبه، يركز البرنامج الانتخابي لحزب التجمع الوطني للأحرار على البعد الاجتماعي من خلال تسليط الضوء على مجالات الصحة والتشغيل والتعليم. وتشكل الحماية من تقلبات الحياة، ونظام صحي يحفظ الكرامة، ومناصب شغل للجميع، ومدارس قائمة على المساواة، عناوين بارزة في البرنامج الانتخابي للحزب لإغراء الناخبين.
وقد اختار الحزب شعار “حكومة اللي تحميك، تضمن كرامتك وتستجب لأولوياتك: الصحة والتعليم والتشغيل . تستاهل أحسن ” للترويج لهذا البرنامج، وهو مستوحى من الليبرالية الاجتماعية المعتدلة ويشكل رسالة لما بعد كوفيد من أجل النجاح في الخروج من الأزمة وخلق فرص الشغل وبناء الدولة الاجتماعية.
ومن أجل إرساء سياسة رئيسية للتقدم الاجتماعي، يرسم الحزب برنامجا شاملا يقدم ردا على الأزمة الصحية والاقتصادية والاجتماعية من خلال 25 إجراء. وأشار البرنامج الانتخابي للتجمع الوطني للأحرار إلى أن الحزب يولي عناية بفئة المتقاعدين، لاسيما الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 سنة ولا يتوفرون على أي مدخول، مبرزا أن البرنامج الانتخابي يقترح تخصيص تعويض شهري يصل في أفق 2025 وبطريقة تدريجية، إلى ألف درهم وذلك لتحقيق العيش الكريم لهذه الفئة وتحقيق تكافؤ الفرص داخل المجتمع.
وأضاف أن البرنامج الانتخابي يتضمن عدة إجراءات منها كذلك، إحداث مليون منصب شغل، والعمل على تحسين علاقة الإدارة بالمواطن وتكريسها لخدمته. وبعيدا عن كونه شاملا، فإن هذا التعداد لبعض المقترحات في الجانب الاجتماعي للبرامج الانتخابية للأحزاب المذكورة يوضح أن جميع التشكيلات السياسية المتنافسة تسعى إلى إضفاء دلالة اجتماعية قوية لبرامجها الانتخابية، وعلامات حزبية حقيقية تهدف إلى إغواء الناخبين والفوز بالاستحقاقات الانتخابية.
*رشيد السامي