– مصطفى ملو –
يحاول “حزب العدالة والتنمية” دائما الحديث باسم الشعب المغربي في إطار ما يسميه الإرادة الشعبية والشرعية الشعبية والإجماع الشعبي، إذ لا يفوت فرصة لتنصيب نفسه وصيا على هذا الشعب الذي يعتبره قاصرا وبحاجة إلا من يتحدث باسمه.
إن صقور هذا التنظيم الإخواني أول من يعرف أنهم يكذبون ويصدقون أكاذيبهم في قلة حياء قل نظيرها، فقد رأينا كيف أن هذا الحزب حاول الترويج وبكل الوسائل لكون تصويت حوالي مليون ونصف مغربي في انتخابات 2016 تعبير صريح عن حب الشعب له وإرادته في بقائه في الحكم، وكأن الأربعين مليون مغربي تختزل في هذا المليون ونصف من أتباعه الذين أغلبهم ليسوا سوى أزواج وزوجات وأبناء وأقارب المنتمين إليه وليس أي مغاربة!
اليوم ها هي نفس الأكذوبة تتكرر، إذ لا يتوقف هذا التنظيم المتطرف في اجترار نفس الأسطوانة منصبا نفسه مرة أخرى ناطقا رسميا باسم المغاربة فيما يتعلق بتطبيع المغرب لعلاقاته مع دولة إسرائيل، متحدثا عن كون المغاربة يعتبرون قضية فلسطين قضيتهم الأولى وأن إرادة الشعب المغربي هي ضد التطبيع…ومتناسيا أن هذا الشعب الذي يحاول الحديث باسمه هو الذي رمى به إلى هامش الهامش في انتخابات 2021 كما ترمى المناديل الورقية في حاويات القمامة، فمتى قام هذا التنظيم باستفتاء أو استطلاع رأي حتى عرف بأن المغاربة يعتبرون فلسطين قضيتهم الأولى وأنهم ضد التطبيع مع إسرائيل؟ وهل هم فعلا كذلك؟
الواقع عكس ما يدعيه تجار الدين تماما والأدلة على ذلك كثيرة، فحتى إن كان صحيحا أن قلة قليلة جدا من أتباع بنكيران ضد التطبيع وإن كان أحد صقورهم هو الموقع على تلك الاتفاقية، فهذا لا يعني أن باقي المغاربة يشملهم موقف قطيع بنكيران، إلا إذا أردنا تقزيم ملايين المغاربة في هذا القطيع البنكيراني، وليتجرأ هذا الحزب أو درعه النقابي أو الدعوي أو الجمعوي ممن يزعمون تمثيل الشعب ويجري استطلاع رأي نزيه لنرى كيف ستكون النتيجة؟!
لا شك أنها ستشكل صدمة قوية لبنكيران وأتباعه الذين يفترون على الشعب المغربي الأكاذيب، إذ ستأتي النتائج مصنفة المغاربة كما يلي:
أغلبية غير مهتمة بالموضوع أصلا واهتماماتها أبعد من فلسطين ومن التطبيع وهم من المنشغلين بأعباء الحياة ومشاكلها، تليها فئة المساندين للتطبيع وخلفها ستأتي الأقلية القليلة من أتباع بنكيران، وهذه النتائج المتوقعة حتى بدون إجراء الاستطلاع ليست محض افتراء، بل مبنية على أساس أن القضية الأولى للمغاربة هي البصلة و”ماطيشة” ومصاريف رمضان وشغل شبابه الشاغل هو الحصول على لقمة العيش ولو بالمغامرة عبر البلقان للوصول إلى أوربا الغربية أو الهجرة إلى إسرائيل، ولا أدل على ذلك أن المكتب الإسرائيلي الذي فتح في الدار البيضاء في وقت سابق لاستقبال طلبات العمل، توصل بالآلاف منها في ظرف وجيز من شباب قادم من كل مناطق المغرب، ولولا إغلاقه لأسباب ما زالت مجهولة لوصل عدد طلبات العمل إلى الملايين في ظرف أسابيع، ثم يأتي أفاكو العدالة والتنمية وسحرتها للحديث زورا عن إرادة شعبية مناهضة للتطبيع !!
ولو أن السلطات المغربية أعطت الفرصة للشباب المغربي للاختيار وبكل حرية بين الالتحاق بإسرائيل من أجل العمل ولو في جيشها وبين الانضمام إلى الفلسطينيين لدعمهم ضد إسرائيل لكانت النتيجة بمثابة ضربة قاضية لبنكيران وحزبه الذي يفتري على المغاربة وعلى إرادتهم الأباطيل.
وفضلا عما ذكر، فإن الحفاوة التي يستقبل بها السياح الإسرائيليون في مختلف المناطق المغربية التي يزورنها وحسن التعامل الذي يعاملون به سواء من طرف المرشدين السياحيين وعمال الفنادق أو من طرف التجار وعموم المواطنين لأكبر برهان على أن مزاعم بنكيران وأتباعه تخصهم ولا تعني المغاربة أو على الأقل الكثير منهم في شيء.
بقي أن نشير إلى أن البلاغ الملكي الأخير بخصوص تدخل حزب تجار الدين فيما لا يعنيه، كان سيكون أفضل وأجمل لو تضمن ما يلي؛
“لا أحد وصي على الشعب ولا أحد يمثل الشعب أكثر من الملك والمؤسسة الملكية التي تحظى بإجماع جميع المغاربة إلا المنافقين الذين يظهرون الولاء جهرا وهم ألذ الخصام سرا، والذين إذا لقوا جلالة الملك أظهروا له من الولاء والطاعة ما تعجز الكلمات عن التعبير عنه وإذا خلوا إلى شياطنهم قالوا إنا نحن معكم إنما نحن مستهزؤون”
فمن يحب الملك فعلا ويدعم المؤسسة الملكية حقا لا ادعاء، يجب أن يكون مع القرارات الملكية التي يستحيل أن تكون ضد الوطن ومصالحه، أما من لا يهمه سوى حزبه وإديولوجيته التي كلما بارت حاول استغلال كل ما يمكن استغلاله لتلميع صورته، فلا يمكن أن يكون سوى من حزب بنكيران.