
احتفت منظمة اليونيسكو باليوم العالمي للفلسفة يوم الخميس 20 نونبر 2025 تحت شعار ” قيم مجتمعات المستقبل”
إن اختيار موضوع “قيم مجتمعات المستقبل” ليكون محور اليوم العالمي للفلسفة ، هو إقرار بأن التقدم العلمي الهائل الذي نشهده اليوم ، وخاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية biotechnologie ، لم يعد مجرد مسألة كفاءة أو إنتاجيةوانجاز علمي جدير بالاحتفاء بما حققته المعرفة الانسانية من تقدم وتطور ، بل ان النتائج الباهرة المحققة أصبحت تفرض تحدياً أخلاقياً حقيقيا يستوجب تدخلاً فلسفياً عميقاً. فإذا لم تُرَسّخ هذه المجتمعات على أسس قيمية متينة، فإنها تخاطر بالتحول إلى هياكل متقدمة تقنياً لكنها متآكلة أخلاقياً وإنسانياً.
يتمثل التحدي الأول والأخطر في كيفية ضمان العدالة الرقمية والأخلاق الاصطناعية. مع تزايد الاعتماد على الخوارزميات وأنظمة التعلم الآلي في اتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة بالتوظيف، والرعاية الصحية، وحتى العدالة الجنائية، يصبح معه من الضروري زرع قيم الشفافية، والإنصاف الخوارزمي، والمساءلة الواضحة داخل هذه الأنظمة. فالمجتمع المستقبلي الذي لن يستطيع تفسير كيف ولماذا اتخذت الآلة قراراً ما يخصه – وهو التحذير الذي توجهه الكثير من الآراء العلمية والتقنية والفلسفية- ، هو مجتمع تخلى عن قيمة السيطرة الإنسانية على مصيره. يجب أن تضمن الفلسفة أن تبقى التكنولوجيا أداة في خدمة الإنسان لا قوة غامضة تحكمه.
أما التحدي الثاني فهو الاستدامة الوجودية. إن القيمة الفلسفية الأساسية لمستقبل مستدام هي الاعتراف بأن الإنسان ليس المالك المطلق للطبيعة، بل جزء من نظام بيئي مترابط. يجب أن تنتقل قيمة الاستدامة في المحافظة على بيئتنا الطبيعية من مجرد إجراءات تكتيكية إلى مبدأ أخلاقي شامل يوجه جميع قراراتنا الاقتصادية والاجتماعية بعيدا عن همينة تنافس المصالح السياسية للدول . هذا يتطلب تعزيز مفهوم العدالة بين الأجيال، حيث تصبح مسؤولية الحفاظ على سلامة الكوكب الذي نعيشه فيه والذي هو ارث متعاقب للأجيال البشرية يستدعي ان نحافظ على سلامته من مخاطر السباق على التسلح النووي والاشعاعي المفرط وسلامة موارده، هي قيمة ملزمة تحاسب عليها المجتمعات الحالية، مانعةً استنزافاً يهدد وجود الأجيال القادمة.
أخيراً، يجب أن تعمل مجتمعات المستقبل على ترسيخ قيمة التضامن الإنساني في وجه التفتت. ففي عالم تتزايد فيه الاتجاهات الانعزالية وتتعمق فيه الانقسامات الاجتماعية والطبقية، يجب أن توفر الفلسفة إطاراً لتعزيز قيم التسامح، والتعاطف، والمواطنة الإنسانية الشاملة. عبر إعادة التأكيد على قيمة الكرامة البشرية للجميع، بغض النظر عن الموقع الجغرافي أو الوضع الاقتصادي أو العرقي، هي الضامن الوحيد ضد عالم ينقسم إلى “نخب تقنية” وأغلبية مستبعدة.
إن صياغة قيم الغد هي في جوهرها صياغة لكيفية الحفاظ على إنسانيتنا في عالم شديد التطور. فمهمة الفلسفة هي أن تضمن أن يكون التقدم التكنولوجي مصحوباً بتقدم موازٍ في النضج الأخلاقي حفاظا على هويتنا الاصيلة كبشر ينعمون بحق الحياة ، وينقلون هذا الارث في الحفاظ على هذا حق الطبيعي للاجيال اللاحقة عنهم .
