*الرباط: يازبريس
لم تختلف كثيرا وجهات نظر خبراء القانون الدستوري في المغرب، ولم يلاحظ أن هناك تباعدا بين التفسيرات التي قاربوا من خلالها المشهد الحزبي المغربي، وأجمعوا في ندوة بعنوان: “الأحزاب السياسية المغربية: أزمة أم تحول؟”، نظمتها شعبة القانون العام، يوم الأربعاء 29 ماي 2024 في الرباط، على أن الأوضاع التنظيمية للأحزاب المغربية في حاجة إلى وقفة متأنية، وبدائل موضوعية لخروج من النفق، الذي وضعت نفسها فيه.
أستاذ القانون الدستوري عبد الحفيظ أدمينو، الذي شارك بمداخلة في هذه الندوة، التي نظمت بشراكة مع فريق البحث في الأداء السياسي والدستوري، وبتعاون مع ماستر الأداء السياسي والمؤسساتي، تناول بالدرس والتحليل الوضعية التي توجد عليها التنظيمات الحزبية، ووضع بذلك الممارسة السياسية على المحك، موضحا أن الأحزاب السياسية تخلت عن مهمتها التأطيرية، وزاغت عن السكة التي رسمتها لها القوانين المنظمة لها في داخل الوطن وخارجه. ولاحظ أدمينو أن الهم الوحيد الذي أصبح يسيطر على أغلب الأحزاب، هو الوصول إلى السلطة.
وقال أستاذ القانون الدستور إن هناك أحزاب سياسية في المغرب تحولت إلى مقاولات، شغلها الشاغل انتقاء المرشحين لخوض الاستحقاقات التشريعية أو الجماعية، والقيام بحملات انتخابية دون أدنى اعتبار للقضايا الاجتماعية ولا للفعالية التي تميز الأعضاء فيما بينهم طبقا للتدرج التنظيمي لهؤلاء الفاعلين الحزبيين، وهكذا ابتعدت هذه الأحزاب عن دورها التأطيري بما هو الهدف الأساسي من وجودها داخل المجتمع.
وأكد أدمينو أن بعض الأحزاب السياسية أحست بالخطر الذي يهددها من خلال بعض ممارسات أعضائها المنافية للقانون، وقررت تبني مبدأ التخليق والرقمنة، وتضمين قوانينها الداخلية بضوابط أخلاقية لتعزيز دورها، والقيام بمهامها كما يجب. بالإضافة إلى تجديد مشاريعها ومخططاتها التنظيمية، معتبرة التخليق مدخلا أساسيا للاهتمام بالسلوك الحزبي، وهو الشيء الذي دفع بها إلى إدراج مواد، تفرض على أعضائها، خاصة الذين يمثلونها داخل المؤسسات المنتخبة، تفادي كل ما له علاقة بالفساد.
وأوضح الخبير في القضايا الدستورية، أن الفساد الذي أصبح ينخر بعض التنظيمات الحزبية، ووصلت بعض قضاياه إلى المحاكم، تحول من فساد شخصي إلى فساد مؤسساتي.
من جانبها، استهلت الأستاذة الجامعية بثينة قروري مداخلتها في هذه الندوة بسؤال: هل المغرب امام نهاية الحزبية السياسية؟ موضحة أن الوضع الحزبي في المغرب يحمل عددا من المؤشرات توحي بانطباعات تهم علاقة السياسة بالديمقراطية.
ووقفت قروري التي تحدثت عن ما وصفته بنهاية الحزبية في المغرب عند عدد من المحطات التاريخية للأحزاب السياسية وعلاقتها بالنظام الديمقراطي، كما توقفت عند عدد من التجارب الدولية ومنها التجربة البريطانية.
وقدمت معطيات وأرقاما، تتعلق بنزاهة الانتخابات المغربية الأخيرة، كما أثارت انتباه الحضور إلى مجموعة من المؤشرات المرتبطة بمنسوب الثقة في مؤسسات الأحزاب بالمغرب. وخلصت إلى أن التمثيل السياسي يعيش أزمة، وأن ظاهرة العزوف عن الممارسة السياسية من داخل الأحزاب ليس ظاهرة مغربية صرفة، بل تنتشر في كل أٍجاء المعمور.
وطرحت الأستاذة الجامعية عدة أسئلة، اعتبرتها مداخل لتجاوز الأزمة، ومن هذه الأسئلة، هل العزوف ظاهرة طارئة يمكن حلها بسرعة؟ وهل يمكن أن ننتقل إلى أشكال جديدة للديمقراطية في ظل سيادة أطروحة نهاية الحزبية؟
وأشارت إلى ما وصفته بوفرة الديمقراطية في دول الشمال، في مقابل ضعف هذه الديموقراطية بدول الجنوب. وفي هذا السياق ناقشت قضية أزمة الندرة مقابل أزمة الوفرة. وتحدث عن ظاهرة الاحتجاج في المغرب، وربطتها بتظاهرات رجال التعليم، ودور النقابات في هذا الجانب. واعتبرت الاحتجاج أداة سياسية غير تقليدية، توضح الدور السياسي للمواطن العادي للضغط على أصحاب القرار السياسي من أجل وضع أكثر ديموقراطية.