
يُعدّ القرار الأممي الأخير بشأن قضية الصحراء المغربية محطة مفصلية في مسار النزاع الإقليمي، إذ أعاد التأكيد على وجاهة مقترح الحكم الذاتي المغربي بوصفه الحل الواقعي والدائم، وأبرز في الوقت ذاته التحولات الجوهرية في مواقف القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.
أولًا: التحول في المقاربة الأميركية
اعتمدت واشنطن، خلال السنوات الأخيرة، مقاربة جديدة في شمال إفريقيا ترتكز على الاستقرار الإقليمي ومحاربة التطرف والتغلغل الروسي في الساحل. ومن هذا المنطلق، تنظر الإدارة الأميركية إلى استمرار دعم الجزائر لجبهة البوليساريو باعتباره عامل توتر مزمن يُضعف الجهود الدولية لإرساء الأمن والتنمية.
وقد بدأت الولايات المتحدة في توجيه رسائل ضغط دبلوماسي ناعم إلى الجزائر من خلال ربط ملفات التعاون الأمني والاقتصادي بضرورة إبداء مرونة أكبر في التعاطي مع الملف الصحراوي، بما ينسجم مع المقاربة الأممية للحل السياسي الواقعي.
ثانيًا: الجزائر بين ضغط الشركاء وتحولات الداخل
تواجه الجزائر تحديًا مزدوجًا يتمثل في موازنة تحالفاتها التقليدية مع موسكو وبكين من جهة، ومتطلبات الانفتاح على الشركاء الغربيين من جهة أخرى. ومع تراجع عائدات الطاقة وتنامي الأزمات الاجتماعية، يبدو أن الجزائر مدفوعة تدريجيًا نحو إعادة تقييم موقفها من نزاع الصحراء، والاكتفاء بدعم رمزي للبوليساريو بدل الدعم العسكري المباشر، لتفادي مزيد من العزلة الإقليمية والدولية.
ثالثًا: المغرب وتموقعه الدولي المتوازن
من جهته، عزز المغرب موقعه كفاعل استراتيجي مستقر من خلال سياسة خارجية متعددة الأقطاب تقوم على تنويع الشراكات دون الإخلال بالتحالفات التقليدية.
مع الولايات المتحدة: شراكة أمنية واستثمارية متقدمة وتنسيق دائم في قضايا الساحل وإفريقيا.
مع روسيا والصين: انفتاح اقتصادي متوازن ضمن مقاربة احترام المصالح المتبادلة.
ومع الدول العربية والخليجية: دعم سياسي ومالي قوي لمغربية الصحراء تُرجم في استثمارات ميدانية بالأقاليم الجنوبية.
كما أعادت الرباط بناء علاقاتها مع العواصم الأوروبية، لا سيما مدريد وبرلين، مما جعلها نقطة ارتكاز في الاستقرار المتوسطي والإفريقي.
رابعًا: استشراف المرحلة المقبلة (2025 – 2027)
استنادًا إلى المؤشرات الحالية، يمكن استشراف ثلاثة اتجاهات رئيسية:
1. التكيّف التدريجي (المرجّح): الجزائر تعتمد مقاربة أكثر براغماتية وتقلّص دعمها الميداني للبوليساريو، بما يتيح تسريع الحل السياسي.
2. التصعيد المحدود: استمرار الخطاب المتشدد مع ضعف التأثير الدولي، وهو سيناريو مكلف اقتصاديًا وسياسيًا.
3. التحول الاستراتيجي الكامل: انفتاح جزائري مشروط على الغرب مقابل فكّ الارتباط بالبوليساريو، وعودة تدريجية لمسار مغاربي واقعي.
في جميع الحالات، تؤكد المعطيات أن المغرب بات اليوم فاعلًا محوريًا في ضبط التوازنات الجيوسياسية بشمال إفريقيا، وأن مقاربته الواقعية القائمة على التنمية والاستقرار أثبتت نجاعتها أمام المتغيرات الدولية المتسارعة.

